إدراك الإنسان لماهية الحضارة تتوقف على كونه مفكرا وعلى كونه حرا إذ ينبغي أن يكون مفكرا ليكون قادرا على فهم مثله وتصويرها . وينبغي أن يكون حرا، ليكون في وضع يتهيأ، له، منه أن يدفع بمثله في الحياة العامة فالحرية المادية، ترتبط بالحرية الروحية، ارتباطا وثيقا .فالحضارة تفترض، أناسا أحرارا لان بالأحرار وحدهم تتحقق الحضارة وتصنع. ونستنتج من هذا أنه لا معنى للتفرقة بين الثقافة والحضارة فمن أهم مظاهر التحضر ازدهار المعارف الإنسانية وتفتق العقول والقرائح عن فتح مبتكر يسهم في لتقدم الإنسانية ورقيها .. لابد من التنويه بأن هناك أنماط المثقفين من ضمنهم أصحاب العقائد، والمذاهب الاجتماعية والسياسية والفلسفية وهناك المثقف الملتزم أو المستقل .. إن المشتغلين بالفكر من أهل العلوم والمعرفة، أيا كان نوعهم لا يكونون «مثقفين» إلا إذا كان الوعي الفردي مهيمن لديهم (المثقف كائن فردي تتمثل فرديته في كونه كفرد له وعي خاص ورأي خاص، ربما رؤيا للعالم خاصة . ويرى أرنست رنان بأن المثقفين يشكلون طبقة من العلماء الممتازين وأن ما ينادون به هو المعايير الخالدة للحق والعدل ...، وإلا تحولوا الى خبراء إعلانات أو الخبراء علاقات عامة، إنهم شخوص رمزية تتسم بقوة الشخصية، عليهم أن يقوموا بمعارضة الوضع الراهن في زمانهم وأن يقولوا كلمة الحق في مواجهة السلطة يرى عالم الاجتماع الأمريكي «ألفن جولدنر» بأن المديرين، والمثقفين، قد حلوا . إلى درجة كبيرة، محل الطبقات القديمة التي كانت تتمتع بالأموال والممتلكات، ويصف المثقفين بأنهم لم يعودوا أشخاص يخاطبون الجمهور العريض بل مجرد أفراد ينتمون إلى ما يسميه ب» ثقافة الخطاب النقدي هناك محاولة ترمي إلى اختزال صورة المثقف، بوضعه في إطار مهني مجهول الهوية ...، في حين أنه صاحب موهبة خاصة تمكنه من حمل رسالة نشر الأفكار، التي تخلص الناس من ظَلمات الجمود والخرافة، والوصاية على الفكر والعقيدة، ومحاربة كل أشكال التنميط، التي يشيعها، وسائل الاتصال الحديثة .والإعلام الإسلامي يحمل رسالة وهدفاً: الرسالة تتضمن طرح مفاهيمه الدينية، ومقاصده الشرعية والاجتماعية والعامة، حسب أصول الدين مع مراعاة الجانب الاجتهادي وعدم العيش في زوايا التخلف والنظرة الضيقة، بحيث نواكب العصر والواقع الذي نعيشه. والهدف يعني أن يتغير المجتمع نحو الأفضل من خلال قيم الإسلام ورسالته الحقة. ولكنّ المشكلة التي تبرز في أحايين كثيرة لدى إعلاميات إسلامية كثيرة اليوم هو الاهتمام بطرح الشعار الإسلامي، وغضّ النظر عن جوهر الإسلام، ومنهج أهل البيت عليهم السلام وقيمه، وذلك خوفاً من أن يوصموا بالتخلف أو الطائفية؛ بحيث يجعلهم بعيدين عن الموضوعية وتحري الدقة في نظر الآخرين. ولذا تجد البعض يتصوّر أنّ الاهتمام بمنهج الإسلام هو مخالفة للتعددية الثقافية في هذا الزمن المرّ، فترى هذه الإعلاميات تحاول جهدها أن تطرح مفاهيم وقيم الغير وتدافع عنها بشدة، وكأنّها تعتنق هذه القيم والأفكار، وكلّ ذلك لتؤكد اعترافها بالآخر، في حين بهذا المنهج الانتقائي تبتعد عن معاني الإسلام السامية ورسالته، وإن كان الإسلام لا يرفض الآخر، ويقبل التحاور معه على أسس قرآنية وشرعية. وتحت شعار المحافظة على التعددية تبدأ الأقلام المسمومة بنفث سمِّها في هذه الإعلاميات، وفي ظلّ الخوف من أن توصم بالطائفية تبتعد عن منهج أهل البيت عليهم السلام، وتعاليمه القيمة، والأنكى من ذلك أن تدعي هذه الإعلاميات المحافظة على الإسلام والمذهب، بهذا المنهج الانتقائي الخاطئ. عوائق تقف أمامه، ولا يستطيع في كثير من الأحيان أن يتخلص منها، لكي يقوم بتأدية دوره الحقيقي، وبقناعته من دون أن يواجه هذه العوائق، ويحطم هذه القيود. وهذه العوائق من قبيل: السلطة أنى كانت، وامتزاج السياسي بالثقافي، والمثقف بين الحاجة والواقع، ومسؤوليته الشرعية، وبين أن يسلك المثقف طريق الانفتاح أو الانغلاق، كلّ هذه عوائق ليست بقليلة. ثانياً: مشاكل الإعلام الديني، والتي تساهم في إعاقة المثقف الديني، وذلك لأنّها تنعكس سلباً على أدائه، مثل المال، وتقنية الخطاب الديني، والحصار من قبل الآخرين لهذا الإعلام، ومشكلة الإثارة في الإعلام المعاصر، والتنوع المطلوب ,وفي الأخير قمنا بطرح مقدمات المشروع الثقافي، وهو ما يمثل الطموح بالنسبة لأيّ إعلام إسلامي، مع قناعتنا الأكيدة أنّ هذه المقدمات ليست حقائق مطلقة، بل يمكن أن تضاف إليها أفكار أخرى، ولقد تناولنا العوائق والمشاكل في بعد واحد، وذلك لأنها تشكل عائقاً رئيساً أمام المثقف الديني، ويمكن أن يشترك مع المثقف الآخر في بعض هذه العوائق والمشاكل. لا شك أن هناك علاقة ما، بين الثقافة والتراكم المعرفي، عبر التعرض لوسائل الإعلام، بصفتها مصدرا مهما للمعلومات. على أن المعرفة، ليست نهاية المطاف، في الدلالة على مفهوم المثقف.. ولا دور الوسيلة الإعلامية.. كذلك، مقطوع فيه وحاسم، في صنع المثقف. المفهوم أوسع من أن يتمثل في الفنان، أو الأديب.. يستبطن بعض قضايا المجتمع، فيرسم لوحة أو يكتب قصيدة أو رواية، ثم تقدمه الوسيلة الإعلامية للجمهور.. فتصنع منه مثقفا. هو.. إضافة إلى قيمته المعرفية والفكرية، إنسان ملتزم وصاحب دور ريادي، وواع.. لكونه يستخدم (الوسيلة الإعلامية , متى ما أتيح له ذلك، ل يخدم مجتمعه الكبير. العالم، ويخدم بشكل خاص، مجتمعه الصغير.. وطنه وبيئته، التي يعيش فيها. بمعنى أن حرفته، بوصفه مثقفاً، تتجلى أكثر.. في الوصول إلى الجماهير، عبر وسائط اتصال جماهيرية.. وسائل الإعلام، بما يجعله يوظف المعرفة ، في سبيل القضايا العامة. هو في هذه الحال، من يمنح الإعلام قيمة ثقافية.. و يصنع منه شيئا بقيمة معرفية، ويضيف لدوره، وظيفة ثقافية واجتماعية.. مقابل التضليل، والإسفاف، والمضامين التافهة.. التي يوصم بها الإعلام. هو أيضا.. بحكم التصاقه بالهم المجتمعي، يضفي عليه مصداقية ، مقابل الشك والتوجس، الذي يعاني منه الإعلام، بسبب علاقته بمؤسسات السلطة. الموقف الجوهري، الذي يجعل من وسيلة إعلامية ما، وسيلة ناقلة، أو منتجة للثقافة.. أو صانعة للمثقف، يتمثل في مدى قدرتها.. على اختراق الوعي الجماهيري للمجتمع، وصنع حالة حضور له. الوعي تنتجه الثقافة عبر أدواتها، والمثقف هو الذي ينشط، من أجل تكوين هذا الوعي وتأسيسه.. والتقدم به في مجال الفعل البشري، بتوظيف أدوات الاتصال الجماهيري. ذلك.. أن التغييرات ذات الطبيعة الحضارية .. بما فيها صنع الثقافة، هي في الأساس عمليات اختراق واعية ومقصودة.. تتخلق، من خلال فهم آليات عمليات التحول الاجتماعية، التي تحكمها قوانين الحركة السياسية، والاقتصادية، والثقافية للمجتمع. تمارس الوسائل الإعلامية، دوراً حضارياً ناقداً، من خلال التفاعل الإيجابي، مع الحراك الاجتماعي والحركة الثقافية، فتتفاعل وتتعايش، مع مشاكل وتناقضات المجتمع عن قرب، بما يتناسب مع ظروف المجتمع الذاتية والموضوعية.. على ضوء منظومته القيميَة، ونسقه الثقافي. الوظيفة الانتقادية، والدور التفاعلي للوسيلة الإعلامية، هو في الوقت نفسه، شرط وجودي لتحقيق(المثقف)، من خلال ما يحققه من زعزعة التصورات السائدة .. السلبية.. التي تعوق التقدم، ونقض المفاهيم التقليدية الراسخة، حول عصمة النظام السائد.. بإثارة الأسئلة، وهز القناعات البالية، عبر الاتكاء على ثوابت، ومرجعيَة مقدسة.. من أجل إعادة صياغة رؤية لحياة جديدة