اكتفى المولى عزّ وجلّ بعد أن جرّب أُمما برسالات سماوية عبثوا فيها وعاثوا فسادا وتحريفا، وبرسل أساءوا لهم وألبسوهم لبوس الذل والهوان مخادعة وتكذيبا، مؤامرات ودسائس، فجاء برسالة خاتمة أخيرة لا بعدها رسالة ولا رسول، تتويجا لما سبقها لتردأ الصدع وتسدّ الفرج وتلحّم الشقوق وتعالج الكسور وتداوي النفوس المكلومة، واختار ربّ الكون وخالقه الأمة العربية لتحتضن هاته المهمّة النبيلة المحصّلة، التي تدعو الناس ليستقيموا كما أُمروا، وأن ينشروا بعد ذلك، وعن قناعة، سماحة هذا الدين الحنيف الذي هو للخلق كافة، فعزم وتوكّل كلّ امرئ آمن وراح يشبُر الأرض، ويزرعها في كل الاتجاهات والنواحي، لا يلوي ولا يقصر ولا يتكاسل أو يتواكل، وهو راض كل الرضى عمّا يقوم به لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يحمد الله ويشكره على أنه يهدي للتي هي أقوم، يتآخى مع الناس ويؤاخي بينهم، تأليفا بين القلوب وتحصيلا لنعمة الأخوة وتحصينا لها. فكان لهذا العمل الصالح الأخوي الذي يقرّب ولا يباعد، يحبّب ولا يكرّه أن يتمكّن في الأرض، وأن يسود العالم لسببين أساسيين سماحة الرسالة، وخالص أعمال من يصونون الوديعة ، ويحفظون الأمانة، ويبلّغون الرسالة،فكان أداؤهم نواصي خير، وغيثا نافعا، وتحقيقا لأحلام المراودة عمّ أرجاء المعمورة مُحاكيا زواياها ومناكبها. أمّا اليوم، فإنّ معضلة من كانوا قد صانوا الوديعة وحفظوا الأمانة وبلّغوا الرسالة تتنامى باطّراد، فتتجاوز الحدود الواحدة بتخطّيها إيّاها حاملة معها الدماء والدموع والدمار لتقوم بتوزيعها على كلّ الشعوب العربية. إنّها انتكاسة تتنامى محدثة انقباضا في القلوب واعتصارا، التهابا في الأكباد واحتراقا، انشطارا في الأحشاء وتمزيقا، داء في الأجساد ووباء يتفشى، معضلات جمّة تتكاثر جراثيمها آكلة للحم، ناخرة للعظم، سالبة للعقل، ثانية للأبدان، ما غيب أو من غيب السمو على الضغائن، ودحض سلوكات التناحر، وأساليب التنابز والتنافر، واختلاق مشيمات بذرائع وأقاويل لا سلطان لها ولا بيان، وابتداع مآسي انهمرت لها الدموع، أو بقيت حبيسة المآقي، قام سهاد ليلها وعذاب نهارها، فواجع ومواجع سواء دبرت بليل أو بنهار صنيعة وضع داخلي أو بتأثير خارجي، أمر حيّر الشعوب العربية فضربت حلقات وحدتها،وعرى تماسكها، وفقدت الثقة فيما بينها وفيما بينها وبين حكامها، فأوكلت أمرها إلى غيرها ممّن صيّر أمرها إلى فريسة سهلة المنال وقصعة تتداعى الأَكَلَة على ما فيها من كلّ حدب وصوب ومن كل فج عميق ، لينالوا منها نصيبهم وليشهدوا بأنفسهم على نفاذ سلطانها السياسي وانتهاء مقدّراتها الطبيعية وإنهاء قدرات مواردها البشرية. إنّ عدوى مرض هذه المعضلة لا يزال في تنامٍ كبير وانتشارٍ واسع يصيب المفاصل، فتبلى جرّاء ذلك الأوصالُ، وتتسع الهوة ويزيد الجرح تعفنا وصديدا. -إن الشغل الشاغل الآن للعالم الهادئ المستقر هو حالة العرب الذين آراؤهم في حجورهم إذا ما قاموا سقطت تحت نعالهم، فيلتقطها العالم الآخر ويستغلها لمآربه الشخصية ومصالحة الذاتية. العالم الذي أضاف أوكرانيا مرحليا إلى العالم العربي، ولو تعمّق في البحث أكثر لوجد على ما يبدو أن أصول الأوكرانيين عربية، أو أنه يعلم فوضع عن دراية في الكفة ذاتها، ولو استثنائيا، قضية أوكرانيا، العالم الذي ضم في حقيقة الأمر أوكرانيا إلى العراق وليس قضية العراق إلى قضية أوكرانيا...!؟