يرى العديد من الجامعيين المختصين في تاريخ الجزائر بجامعة وهران أن البحوث الأكاديمية حول ثورة أول نوفمبر 1954 تعتبر مصادر ومراجع توثيقية هامة تساهم في كتابة تاريخ الثورة والتوثيق لها وذلك رغم صعوبة الحصول على الوثائق خاصة منها الأرشيف لا سيما ذلك الموجود في فرنسا وببلدان أخرى. أجمع باحثون في تاريخ الجزائربوهران أن البحوث الجامعية التي تناولت المقاومات الشعبية والحركة الوطنية ومختلف مراحل الثورة التحريرية تعتبر مادة تساعد في كتابة التاريخ الثوري للجزائر، ويرى هؤلاء الباحثون في تصريحاتهم للواج أن هذه الدراسات استطاعت أن تسلط الضوء على بعض الأحداث من تاريخ الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي والتي ظلت معتمة ولم يتم التطرق إليها حتى من قبل أقلام أجنبية. وترى الأستاذة بوخالفة نور الهدى من قسم التاريخ جامعة وهران أن مخابر البحث في مجال تاريخ الجزائر و الثورة الجزائرية على وجه الخصوص تلعب دورا كبيرا في كتابة التاريخ الوطني وخاصة تاريخ الثورة التحريرية وفي إبراز أحداثها وذلك من خلال إعداد الدراسات الأكاديمية والبحوث وانجاز إصدارات حول هذه الثورة وكذا دعوة المختصين في التاريخ لحضور الملتقيات والندوات العلمية حول ثورة » أول نوفمبر 1954« . وفي هذا الإطار تتوفر جامعة وهران على ثلاثة مخابر للبحث متخصصة في التاريخ منها مخبر »تاريخ الجزائر « و» تراجم ومصادر« و»تصميم نماذج إعلامية في التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد « فضلا عن مديرية » التاريخ والذاكرة » بمركز البحث في ألانروبولوجية الاجتماعية والثقافية التي يساهم في إنتاج منشورات لها صلة بالموضوع و تنظيم لقاءات في مختلف المناسبات للإثراء النقاش حول تاريخ الثورة. وفي هذا الشأن يذكر الباحث عمار محند عامر من نفس المركز أن هناك عملا كبير قام به هذا المركز، غير أن عدد المؤرخين في الجزائر قليل جدا لا سيما منهم المختصون في تاريخ الحقبة الاستعمارية ولا نستطيع أن نتج بدون مؤرخين. وعلى الرغم من وجود رسائل ماجستير وأطروحات في الثورة الجزائرية وأعلامها وانجاز العديد من البحوث الهامة حول شخصيات نضالية كانت مغمورة، غير أن الجامعة ما تزال لم تقم بدورها في هذا المجال كما ينبغي مما يتطلب تعاون من مختلف الوزارات منها المجاهدين والمرافق التابعة والثقافة، يقول من جهته رئيس مخبر البحث في تاريخ الجزائر بجامعة وهران عبد القادر بوباية . الوصول إلى أرشيف ... الانشغال رقم واحد وتشكل قلة المصادر التاريخية لاسيما منها » الأرشيف « الانشغال الرئيس للباحثين الجزائريين المختصين في تاريخ الثورة التحريرية لاسيما منهم الطلبة الباحثون الذين ليس لديهم الإمكانيات المالية للانتقال إلى فرنسا للحصول على الوثائق التاريخية، وجعل هذا الأمر البحوث الجامعية التي لها صلة بتاريخ الثورة تواجه انتقادات في المحتوى والطرق وطريقة المعالجة. وفي هذا الصدد، بذكر الأستاذ رابح لونيسي وهو باحث في التاريخ من جامعة وهران » أن هناك بحوثا كثيرة حول المقاومة الشعبية والحركة الوطنية والثورة الجزائرية غير أنها ناقصة لأن أغلبية الوثائق موجودة في فرنسا وان توفرت يجب تمحيصها وتحقيقها ونقدها لأن هناك تلاعب بهذه الوثائق من قبل الفرنسيين . ومن جهته أكد الباحث عمار محند عامر » أن الأرشيف قضية شائكة ولم تحل لحد ألآن وبدون أرشيف لا يمكن بأي حال من الأحوال التقدم كثيرا في كتابة التاريخ أو البحث في تاريخ الثورة الجزائرية وبدون الوثائق الرسمية لا يمكن للباحث أن يقدم بحثا أكاديميا علميا «، ولتطوير البحث في مجال تاريخ الثورة الجزائرية يتطلب الأمر الحصول على نسخ أو صور من الأرشيف الوطني أو بفرنسا أو أرشيف بعض الدول الصديقة التي دعمت الثورة الجزائرية تقول الأستاذة بوخالفة نور الهدى من جامعة وهران، ومن جهة أخرى يعاني كثير من الطلبة الباحثين من مشكل صعوبة الحصول على الوثيقة الأرشيفية من المركز الوطني للأرشيف كما أبرزه الأستاذ بوباية عبد القادر. الشهادات والمذكرات ... متنفس للباحثين لا أحد ينكر أنه بعد سنة 1988 ازداد تنامي ظاهرة الشهادات التي يدلي بها المجاهدون وبرزت ظاهرة نشر المذكرات لشخصيات وطنية ناضلت أبان الاستعمار الفرنسي والتي وجد فيها الباحث متنفسا ومادة دسمة للانجاز بحوثهم في مختلف مراحل الثورة الجزائرية باعتبارها من المصادر المكملة للوثيقة الرسمية -يقول الاستاذ لونيسي، ولا يمكن للطالب أن يبحث في تاريخ الثورة الجزائرية بمعزل عن الشهادات والمذكرات غير أنها »قليلة جدا« وهذا راجع إلى طبيعة المجاهد الذي تربى على السرية منذ أن كان في حزب الشعب وأثناء ثورة التحرير وتطبعت فيه هذه السرية حسب الأستاذ لونيسي. ويقول نفس المتحدث »حتى وإن قال المجاهد أو كتب فانه يتحفظ فيما يقول كأنه ما يزال في عهد الاستعمار ويحس أنه سيبوح بسر وهذا راجع إلى الطبيعة النفسية الكتومة «، ويرى باحثون أن الشاهدات الحية والمذكرات ليست هي التاريخ للآن بعض منها تسبب في بلبلة كما أن الشاهدات و المذكرات تتحكم فيها كثير من العوامل من أبرزها الذاتية الإيديولوجية والجهوية (...) مما يتطلب من الباحث أن يتحقق حتى لا يثير الفتن. وفي هذا الشأن يقول رئيس مخبر البحث في » تاريخ الجزائر « على الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية أن ينظر إلى الشهادات والمذكرات التي تعتبر شاهد عيان بنظرة وعين المؤرخ، ويضيف إذا كانت الشهادات والمذكرات قد لقيت نصيبا كبيرا من الاهتمام من قبل الباحثين فانه يجب أيضا عدم إغفال ما تمثله المحتشدات ومراكز التعذيب وغيرها من الشواهد التي تبرز بشاعة الاستعمار الفرنسي والتي تعتبر من المصادر التاريخي. وقد قامت مديرية الثقافة لوهران بعملية إحصاء لهذه المعالم التاريخية بمناسبة إحياء الذكرى الخمسين للاسترجاع السيادة الوطنية حيث تضمنت القائمة 14 مركز للتعذيب والاعتقال والعبور والاستنطاق والقتل موزعة عبر الولاية . كيف السبيل إلى تطوير البحث حول الثورة الجزائرية يرى باحثون في تاريخ الجزائر لاسيما في التاريخ الثوري أن تطوير البحث في هذا المجال يتطلب تكوين الطلبة الباحثين الذين يجب عليهم التحكم في اللغة الفرنسية كون أغلبية المصادر لاسيما الوثيقة الأرشيفية والمذكرات مكتوبة بلسان المستعمر، وضعف البحوث الجامعية وقلة إقبال الطلبة على البحث حول الثورة الجزائرية مرده إلى عدم دراية الطالب الباحث باللغة الفرنسية وعدم تحكمه في الفلسفة والرياضيات للأن البحث في التاريخ يرتكز على مقياسين المنطق وروح النقد حتى لا يقع فريسة التلاعب في الأرشيف يقول الأستاذ رابح لونسيي، كما يجب تعليم الطلبة الباحثين المناهج الحديثة في كتابة التاريخ المطورة في أوروبا لأنه لا يمكن انجاز بحوث حول تاريخ الثورة الجزائرية بمنهج تقليدي يعتمد على الوثائق كما يجب على المجلس العلمي في الجامعة الكف من عرقلة بعض البحوث التي تتناول المواضيع التي ما يزال ينظر إليها على أنها حساسة -يضيف ذات المتحدث. ومهما كانت الانتقادات حول طريقة الطرح وتقديم المعلومات والتمحيص والتحليل والتحقيق والنقد والمعالجة العلمية للمصادر » الأرشيف والشهادات والمذكرات«، فإنها تبقى أعمالا ومبادرات لباحثين جزائريين وجدت صدى كبيرا لدى كثير من الجامعات والمراكز الأجنبية ونشرت في العديد من المجلات الوطنية والأجنبية-كما يرى باحثون-، وفي نفس السياق أوضح الأستاذ عمار محند عامر الباحث بمركز البحث في الاتروبولوجية الاجتماعية والثقافية بوهران، أن العدد القليل من الباحثين في تاريخ الثورة الجزائرية لا يستطع القيام بالمعجزات لأن التاريخ ليس سلعة وإنما هو عمل أكاديمي .