تعرف الحياة السياسية هذه الأيام حراكا سياسيا غير مسبوق بالنظر إلى مبادرة حزب جبهة القوى الاشتراكية التي شرع فيها مؤخرا من أجل عقد ندوة الإجماع الوطني والتي يهدف من خلالها إلى جمع كل القوى السياسية على طاولة الحوار بهدف الخروج بتصور واحد يسمح بتجاوز كل حالات الجمود السياسي، وقد لقي مشروع الأفافاس في إطار سلسلة المشاورات ترحيبا واسعا. وقد بارك الأفلان هذه المبادرة التي قال إنه ماض في مساعيها كونها تنم عن مبادرة وطنية تجمع أبناء الجزائر تحت لواء الوطن، ومن هنا تتأكد فلسفة الحزب العتيد التي تنطلق من منطق الحوار وعدم رفض أي مبادرة من شأنها أن ترتقي بالممارسة السياسية بما يخدم المصلحة العليا للجزائر، الأفلان الذي عادة ما كان يقود القاطرة بالنظر إلى ثقله وتاريخيه الثوري والسياسي، ها هو اليوم يقف كطرف فاعل من أجل دفع العجلة السياسية نحو الأمام، في إطار تكريس ثقافة الحوار، وبدوره حزب التجمع الوطني الديمقراطي لم يرفض الفكرة وعبر عن انخراطه في هذه المساعي بقبوله مبدأ التشاور والحوار.أحزاب كثيرة وشخصيات وطنية عبرت عن رضاها وتفاؤلها بهذه المبادرة القائمة على الحوار بعيدا عن كل الحسابات السياسوية، وحتى إن رفضت جهة من المعارضة مساعي الأفافاس إلا أن هذا التفاعل ما فتئ يغذي حراكا سياسيا كبيرا يعكس وعي الطبقة السياسية واهتمامها بمستقبل الجزائر. سعداني لم يترك أي مناسبة إلا ودعا فيها إلى الحوار والتشاور بين الطبقة السياسية الأفلان يعتبر الحوار المخرج الأسلم للحفاظ على وحدة الأمة لم يتوان حزب جبهة التحرير الوطني، في مدّ يده إلى مختلف مكونات الطبقة السياسية في الجزائر على اختلاف مشاربها، معارضة للنظام أم موالية له، من أجل فتح نقاش سياسي صادق حول راهن ومستقبل البلاد، وعيا منه بحساسية الظرف الذي تعرفه المنطقة، وإدراكا بضرورة تحصين الأمة من أي خطر يتهددها، ولا يكون ذلك إلا عبر تشاور وحوار يفضي إلى إرساء دستور يكرس دولة المؤسسات . على الرغم من الأفلان هو القوة السياسية الأولى في البلاد، ويبسط يديه على أغلب المجالس المنتخبة، تدعهما أغلبية برلمانية مريحة، إلا أنه لم يستأثر بالنقاش السياسي حول تعديل الدستور، ولم يستسلم إلى أي أنانية في غلق كل منافذ المبادرة السياسية، حيث آثر الحزب العتيد تقاسم النقاش السياسي مع باقي مكونات الطبقة السياسية، معارضة كانت أم موالاة. ومنذ تولي الأمين العام، عمّار سعداني، قيادة الأفلان، أخذ هذا الأخير على عاتقه تحسيس الطبقة السياسية بضرورة الحوار والتشاور كمنهج ناجع من أجل النأي بالجزائر عن أي مخاطر قد تهددها، في ضل محيط يعرف عدم استقرار سياسي وأمني، وهذا ما ظل سعداني يحذّر منه، ويدعو إلى التخلي عن الأنانية والجلوس إلى طاولة الحوار من أجل مستقبل الجزائر لا غير . وشكّل لقاء حزب جبهة التحرير الوطني مع جبهة القوى الاشتراكية حدثا سياسيا بامتياز، حيث كان لقاء بين أهم قطبين سياسيين في الجزائر، الأول يمثّل حزب السلطة وصاحب الأغلبية، والثاني مشهود له بمواقفه المعارضة طيلة عقود، لكن هناك نقطة التقاء بين الحزبين، وهي التقارب الإيديولوجي بينهما، فكلاهما يتكئ على أسس وطنية في أفكاره التي يدافع من أجلها . لقاء الأفلان الأفافاس وإن كان يدخل ضمن مبادرة من هذا الأخير يرمي من ورائها إلى عقد ندوة وفاق وطني، سبقته عدة لقاءت جمعت الأمين العام عمار سعداني بعدد من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماهيرية، على غرار منظمتي المجاهدين وأبناء الشهداء، والمركزية النقابية، وحزب العمال، عبّر من خلالها الأفلان عن توجهاته ومشروعه السياسي الذي يهدف إلى بناء دولة المؤسسات . ولم يترك الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، مناسبة إلا وأكد فيها ترحيب الأفلان بأي نقاس سياسي هادف مهما كانت الجهة التي تدعو إليه، غير انه وضع خطا أحمرا وهو شرعية رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ودعا إلى صب اهتمام الطبقة السياسية حول الوصول إلى عدالة مستقلة وصحافة حرة، وحرية في الممارسة السياسية. ثمن الحراك الذي تشهده الساحة الوطنية، طيبي يؤكد: المبادرات المطروحة ستتوج بتحقيق التوافق السياسي المنشود يرى المحلل السياسي محمد طايبي أن الحراك الذي تشهده الساحة السياسية وتصنعه المبادرات المطروحة، سيفضي لا محالة إلى الخروج بدستور توافقي، على اعتبار أن التصورات المطروحة لإحداث التغيير السلمي، تشرك جميع الأحزاب على اختلاف مشاربها السياسية من الموالاة إلى المعارضة. ثمن الدكتور والمحلل السياسي الجهود التي تبذلها الأحزاب السياسية وطرحها لجملة من المبادرات والتصورات لإحداث التغيير السلمي، التي قال في تصريح ل»صوت الأحرار« إنها تصنع حركية سياسية بارزة من خلال إشراك جميع التشكيلات السياسية بمختلف توجهاتها، وأوضح طيبي أن المشهد الذي تصنعه المبادرات المطروحة سيفضي لا محالة إلى تحقيق التوافق خاصة فيما يتعلق بإعداد دستور توافقي، وأشار في هذا الشأن إلى أن »المبادرات التي تطلقها بعض الأحزاب السياسية تضفي في الأساس إلى تحالفات بين السلطة السياسية الشرعية والمشروع الوطني المتجدد الذي تقوده الأحزاب السياسية الموجودة في الحكم مع إشراك كل القوى التي تعمل على تهشيش السلطة الشرعية في الحكم )في إشارة إلى أحزاب المعارضة(«. وعاد الدكتور طيبي في حديثه، إلى مبادرة جبهة القوى الاشتراكية التي تنبأ بنجاحها بحكم أن »الأفافاس« حزب مهيكل وضارب نسبيا في المجتمع مما يعطيه مصداقية أكبر من غيره ويرشحه لأن يكون محاورا مهما ومفيدا للسلطة السياسية الشرعية، بل اعتبره الأقرب إلى السلطة والأجدر على التفاوض معها من الأحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء تنسيقية الانتقال الديمقراطي، التي قال إنها »تلخص معارضتها في انتقاد السلطة وكأن هذه الأحزاب لا هم لها إلا السلطة«، كما أشار إلى أن »الأفافاس« يحاول التميز على المعارضة من خلال البحث عن سبل جديدة للتموقع في الساحة السياسية بعد القطيعة التي أعلنها مع إستراتيجيته التي كان يتبناها في السابق، بطرحه لمبادرته التي قال طيبي إنها »منفتحة على النظام، ومناورة في نفس الوقت تجعل من المعارضة المنافسة في موقع التابع له«. وفي تصور المحلل السياسي فإن مبادرة تنسيقية الانتقال الديمقراطي »لا جدوى منها«، بحكم أنها عبارة عن خليط من الأفكار والتوجهات المرفوقة بغموض في المقاصد من أجل خلق ظروف خاصة تمكنها من التفاوض مع السلطة من باب تكتل لأحزاب وجماعات ضد سلطة شرعية دستوريا، في الوقت الذي من المفروض أن تكون فيه المبادرات السياسية نتيجة لجهود حزب قائم بهوية إيديولوجية وتعبر عن وزنه وخطته حتى تفهم وتكون قابلة للقويم، وأوضح طيبي أن ما تدعو إليه أقطاب المعارضة »دليل على ضعف البرامج وضعف القيادات الحزبية ما يدل على وجود أزمة داخل المعارضة«.