فشلت القوى السياسية المتكتلة تحت لواء ما يسمى ب »تنسيقية الانتقال الديمقراطي« في إعطاء مشروع سياسي ناضج، وسخّرت كل وقتها وجهدها للتشكيك في كل شيء. ولأنها ظلت الطريق لم تكتف بالطعن في شرعية المؤسسات القائمة، بل تجاوزت ذلك إلى تشويه ورفض كل أفق سياسي واعد لا يتناسب مع مطامحها ومطامعها . من بين المؤشرات التي يمكننا اتّخاذها كمقياس للوصول إلى عدم جدّية أو صدقية هذه المعارضة في تبني خيارات أو أطروحات تهدف إلى تحقيق الصالح العام، هي الهجمة الشرسة التي كالتها في حق مبادرة التوافق الوطني التي طرحتها جبهة القوى الاشتراكية كمخرج للأزمة أمام جميع مكونات الطبقة السياسية، حيث دخلت بعض قوى المعارضة حالة من »السّعار« لم تترك فيها ولا تهمة إلا وألصقتها بالأفافاس، رغم ما يشهد لهذا الأخير من نضال طويل في سبيل الديمقراطية طيلة الخمسين سنة التي تلت الاستقلال . وهناك دليل آخر على الفقر السياسي والفكري الذي أصبح يلازم المعارضة التي تكتلت حول ما يسمى »تنسيقية الانتقال الديمقراطي« هو اصطدامها برفض شعبي كبير، حيث لطالما كانت تهدد باللجوء إلى الشارع بغية الضغط على النظام السياسي، وما أفشل هذا الخيار هو عدم وجود قواعد شعبية لبعض الأحزاب المعارضة، بعضها حديث النشأة ويسعى من خلال تموقعه في المعارضة إلى كسب امتداد شعبي وبعضها الآخر أنهكته الصراعات الداخلية، كما أن جزءا منها فشل في استرجاع عذرية سياسية افتقدها طيلة سنوات قضاها بين أحضان السلطة. وسقط أصحاب التيار المعارض اليوم، في فخ الصراع حول الزعامة، من أجل الظفر بمصالح أو مكاسب أقل ما يقال عنها أنها ميكافيلية تعود بالنفع للشخص أو للجماعة الحزبية، ولم يسلم الأفافاس من الانتقاد رغم أنه يمتلك من النضج السياسي ما يجعله لا يغامر بمستقبله السياسي ولا بمستقبل البلاد، فهو يتحرك بواقعية حينما يعترف بشرعية السلطة وبضرورة إشراكها في عملية التغيير والإصلاح، كما أنه لم يطعن في أي مبادرة جاءت من الطرف الآخر بلغة استفزازية بعيدة عن اللباقة السياسية وهذا ما أهّله ليلعب دور الوسيط ويتبوأ منزلة بين المنزلتين. ويحمل خطاب قادة »تنيسيقة الانتقال الديمقراطي« الكثير من عبارات التخوين والتشكيك في كل مبادرة أو تيار لا يتوافق مع توجهاتهم، والملاحظ لتركيبة »التنسيقية« يرى أنها غير متجانسة وقد تدخل في صراع وانقسامات في حالة ما إذا تضاربت المصالح فيما بينها، وخير دليل على ذلك هو إحجام عبد الله جاب الله عن المشاركة في كل الاجتماعات التي تقام خارج مقر حزبه وتعيين ممثل له، نظرا للخلاف التاريخي بينه وبين بعض قيادات أحزاب أخرى تنتمي للتنسيقية. أما فيما يخص الإسلاميين فالمسألة لديهم تحولت إلى قضية حياة أو موت بعد إفلاسهم السياسي وتراجع شعبيتهم، وفشلهم في المراهنة على ركوب موجة الربيع العربي التي اصطدمت بجدار وعي الشعب الجزائري بخطورة المغامرة، وعلى هذا الأساس لا يمكن حسب احد المتابعين للشأن السياسي في الجزائر أن ننتظر من جاب الله الذي دعا إلى الجهاد في سوريا، وإلى مقري الذي سبق أن اعترف بمشاركة حزبه في السلطة بينما يعتبر نفسه في المعارضة على أنه نوع من »العبقرية« التي تتميز بها حمس، إحداث أي تغيير سياسي ايجابي في الجزائر.