كانت المفاجأة جد سارة في احياء الذكرى السادسة والخمسين لاستشهاد البطل سي الحواس بمتحفه في بلدية مشونش ولاية بسكرة ،حينما قامت فتيات من التعليم المتوسط بالاشراف على تنشيط الحفل (المقدمة للنشاط) ومن تلت ايات من الذكر الحكيم وتسع اخريات كن بارعات في تقديم الاناشيد الثورية حفظا واداء وتفاعلا . احدى عشرة فتاة غطين الحفل ، ولم يشاركهن سوى طفلين في حوار بين شهيد يقدم الوصايا ويسأل عن وضع البلاد وحال العباد ،وبين خلف له يتعهد بالوفاء ويعطي عرضا مفصلا عن ما حقق الوطن من عزة وسؤدد بفضل التضحيات الجسام التي قدمها الشهداء الابرار. القارئ للمشهد الذي حضرته جماهير غفيرة جلها من تنظيمات الاسرة الثورية ،يؤمن ايمانا قاطعا ان الأمور مازالت بخير ،وتنم عن مستقبل يطمئن بالتزامه على التواصل مع الماضي المجيد الذي بنته ثورة نوفمبر الخالدة ، وأسست له على قواعد صلبة من المبادئ والقيم التي تبقى فخرا يرصع جبين الجزائر ،ووسام شرف يزين ناصيتها بمميزات وخصوصيات ، ليس كمثلها مميزات وخصوصيات،يتغنى بها المجتمع الجزائري ،ويحرص على التمسك بها وبممارستها. الدليل القاطع والبرهان الساطع يبرز بجلاء ووضوح ما قامت به فتيات حفل البطل الشهيد عبد الرزاق حمودة بأحاسيس جياشة تماهت مع الذكرى الى درجة انها اضفت عليها جوا من الخشوع والتبجيل والهيبة ، تجاوب الحضور مع فعلياته بالسكينة وبالتركيز في التتبع احيانا ،وبتصفيقات الاعجاب والاحترام احيانا اخرى . ان ذوبان فتيات مشونش في ما كلفنا به وتناغمنا معه وجد فيهن الارضية الصالحة والتربة الخصبة لزرع بذور مبادئ وقيم ثورة التحرير المظفرة في الاجيال الانية والاجيال اللاحقة، وهو مايشجع على دفع عجلة مثل هذه الاعمال الى الامام بامان ، والى المزيد من انتشارها في صفوف الشباب بتعبئة واسعة ، وهي الرسالة البالغة الاهمية ، والامانة التي تتعلق مسؤولية تأطيرها وتنشيطها على الارض بعاتق القائمين على شؤون الناس ، وفي مقدمتها الحفاظ على التاريخ ومجايلته بصدق ووفاء وبالبنية الخالصة. ان مجتمعا مثل المجتمع الجزائري بدينه وقيمه وعاداته وتقاليده لا يمكن جبر احد منه لان يعيش شقيا تسكنه العدمية ، فيموت بلا ام، ولازوجة،ولا أولاد ،ولا أسرة بسبب انحلال العائلة وتحررها من قيود الفضيلة ، والاندماج في حياة المجون مثلما جرى للفيلسوف الالماني أرثر شوبنهاور. ان المجتمع الجزائري ليس مزدكيا يملى عليه ان يبدل مذهب الشراكة في الماء والكلأ والنار بمذهب الشراكة في المال والنساء حتى يصير المجتمع لا يعرف الرجل فيه ولده ، ولا المولود يعرف والده ، الديانة المزدكية التي انتهى بها المطاف الى الفتك باصحابها والمروجين لها والممارسين من طرف المجتمع الفارسي ، فاصبحت خبرا بعد عين .
ان ما اعطت بناتنا في مشونش من نكهة للمواطنة الصحيحة الصرفة يسحب البساط من تحت اقدام التغريبيين والمقلدين لجهاة اتت ادانتها على لسان براعمنا بالمناسبة ، ويجعل صيحاتهم في واد غير ذي كهوف ، وتغريدهم خارج السرب ، لاننا مجتمع لا يرضى ان يرى يوما احد كباره او صغاره يأسف مثلما تأسف افلاطون لانه ابن امرأة ، ونحن الذين نؤمن ان الجنة تحت اقدام الامهات ، فشكرا لأباء وأمهات، مشونش ...!؟