أكد رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد في إجابته على تساؤلات النواب بالبرلمان أن تونس في خطر وتمر بوضعية حرجة، ولا خيار للتونسيين سوى الانتصار في معركتهم ضد الإرهاب أمام تزايد مخاطره بعد الهجومين اللذين أوقعا عشرات القتلى من السياح في يونيو الماضي في سوسة، وفي مارس الماضي في متحف باردو، وقد تبناهما تنظيم »داعش« مع ما سبقهما من اغتيالات استهدفت أفراد الأمن والجيش وسياسيين. وبعث الصيد دعوته لكل الأحزاب السياسية و المنظمات و مكونات المجتمع إلى التوحد و التغاضي عن التجاذبات بكل أشكالها لهزم الإرهاب، بالتزامن مع تأكيده أن العناصر الإرهابية التي تورطت في حادثتي باردو وسوسة انتقلت إلى ليبيا في الفترة المتراوحة بين منتصف ديسمبر 2014 ومنتصف يناير 2015 أين تدربت على السلاح خلال تلك الفترة. وفي الوقت الذي كشف فيه خبراء في الأممالمتحدة بأن تونس هي المنبع الرئيسي والممول الأساسي بالعنصر البشري للجماعات الإرهابية في بؤر التوتر، حيث بلغ عدد التونسيين الذين التحقوا بالتنظيمات الإرهابية خصوصا في العراقسوريا وليبيا نحو5500 شخص، كانت الحكومة قد اتخذت حزمة من الإجراءات منها منع الشباب من السفر إلى بلدان النزاع ومناطق التوترات في العالم كسورياوالعراق مع فرض حالة طوارئ لمدة شهر، بالموازاة مع قيام الشرطة و الحرس الوطني ومختلف المصالح الأمنية بعمليات إستباقية قارب عددها 8 آلاف عملية مداهمة للأوساط المشتبه بانتسابها للجماعات المتشددة، ومنع على مستوى الموانئ والمطارات والمنافذ البرية نحو 15 ألف شخص من الخروج من الأراضي التونسية خشية التحاقهم بجماعات إرهابية، كما قامت باعتقال نحو 1000 شخص ينتسبون لخلايا إرهابية وجماعات دعم وإسناد للإرهابيين، والشروع في بناء جدار ترابي لحماية حدود تونس الشرقية مع ليبيا. مثل هذه الإجراءات غير المسبوقة المتخذة في تونس على خلفية اعتداء سوسة، جاءت استشعارا بخطر داهم أصبح يطوق تونس باعتراف الرئيس قايد السبسي الذي أعلن حالة الطوارئ في عموم البلاد فسره الصيد بالإجراء القانوني الذي يحترم الدستور وقد اتخذ على خلفية تزايد التهديدات الإرهابية على حد قوله، وحتى قبل طرح قانون جديد ل»مكافحة الإرهاب« على البرلمان في الايام الأخيرة. الواقع، أن تونس التي اعتبرت نموذجا للانتقال الديمقراطي الناجح في العالم العربي منذ ثورة »يناير 2011«، تواجه تهديدا متزايدا من الجهاديين وتوترا اجتماعيا واقتصاديا متفاقما، ما يجعل السلطات تخشى من انعدام الاستقرار في تونس والانعكاسات الخطيرة على قطاع السياحة الذي يشكل دعامة أساسية للاقتصاد في تونس من جهة، وتعالي صيحات التحذير من أن الاستبداد والفقر والتهميش والجهويات من جهة أخرى، مع ما تشكله من أرضية خصبة للإرهاب. وأفادت خبيرة أممية ترأست فريق عمل أممي حول استغلال الشباب من قبل الجماعات المتشددة أن عدد المقاتلين الأجانب من التونسيين الذي هو من بين الأعلى ضمن من يسافرون للالتحاق بمناطق نزاع في الخارج مثل سورياوالعراق، يتشكل من شباب تراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما، وينحدر بعضهم من أوساط اجتماعية واقتصادية فقيرة، ولكن أيضا من الطبقة المتوسطة وطبقات عليا من المجتمع. وبحسب تقرير أممي فإن التوانسة الذين سافروا إلى »الجهاد« يتوزعون على عدة مناطق ساخنة في العالم حيث يتواجد 4000 في سوريا، وما بين 1000 و1500 في ليبيا، و200 في العراق، و60 في مالي و50 في اليمن مع تسجيل عودة 625 من العراق إلى تونس وهم الآن موضع متابعات قضائية. من جهته نشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا تحت عنوان »الرابطة الجهادية التونسية ? الليبية«، قال فيه أنه مع استمرار المخاوف الأمنية للحكومة التونسية و صعوبة ضبط أمن الحدود بين تونس و ليبيا على مدى السنوات الأربع الماضية، من المرجح أن تشهد تونس هجمات مستقبلية لتنظيم »داعش«، تنطلق إما من داخل ليبيا أو تكون مرتبطة بليبيا عبر عناصر تونسية متدربة. في ظل المستجدات التي طرأت بشأن الأزمة الأمنية الحاصلة في تونس، ازدادت حدة المخاوف لدى البلدان الأجنبية خاصة تلك التي تضررت في آخر هجوم استهدف تونس، كبريطانيا التي فقدت نحو 30 سائحا، حيث دعت رعاياها إلى مغادرة تونس وعدم السفر إليها إلا للضرورة القصوى متوقعة حدوث هجوم ارهابي جديد وبدرجة عالية، وأفادت بأن التدابير التي اتخذتها الحكومة التونسية غير كافية لحماية سياحها في الوقت الحالي، كما دعت الدنمارك أيضا رعاياها لمغادرة تونس. ولم تتأخر السلطات التونسية في التشديد على أن قرار السلطات البريطانية ستكون له تداعيات وأن الحكومة التونسية ستقوم بتقييم جذري داخلي وخارجي عبر الإجراءات التي تم اتخاذها خاصة منذ الهجوم الإرهابي الذي استهدف متحف باردو، والتي مكنت من تجنب أحداث إرهابية مماثلة وحسنت من قدرات القوات الأمنية و العسكرية بالرغم من الاختراق العنيف الذي وقع في سوسة . في المقابل أعلنت الإدارة الأمريكية استكمال إجراءات منح تونس وضع حليف رئيسي خارج حلف شمال الأطلسي »ناتو« لتصبح بذلك الحليف السادس عشر الرئيسي للولايات المتحدة، وهي خطوة تؤهل حصول تونس على تدريبات عسكرية وقروض لشراء معدات للبحث والتطوير وشحنات دفاعية. لكن الكثير من فعاليات المجتمع المدني ومن النخبة الفاعلة في تونس تسجل أن مكافحة الإرهاب والتطرف لا ينبغي أن تكون بطرق عسكرية أو أمنية فقط بل لابد من فلسفة شاملة للمكافحة، وأن مكافحة التطرف العنيف هي اليوم شرط أساسي لمكافحة الإرهاب، واستئصال التطرف بات مسألة جوهرية تشمل كل أبعاد الحياة السياسية والاقتصادية و الثقافية والدينية والاجتماعية وتستوقف كل أطياف المجتمع على الصعيد الداخلي والمجتمع الدولي دون رهن البلد لقوى عسكرية أجنبية تتخذ من تقديم المساعدة لمكافحة الإرهاب ذريعة للتموقع. وترى بأن الوقفة الحقيقية مع تونس هي تلك التي تؤدي بها إلى إقرار ودعم سياسة عميقة ومتعددة الأبعاد لاستئصال التطرف مايسفر عن إضعاف الجماعات الإرهابية بشكل محسوس ونزع المصداقية عن خطاباتها و إيديولوجياتها المتطرفة ونبذ المواطنين لها وتجفيف منابع التجنيد التي كانت تلجأ إليها، فالشائع أن الجماعات الإرهابية تستقطب شبانا من أوساط اجتماعية فقيرة وأسر مفككة ومستوى تعليمي متدني، وذلك بهدف كما يقال سهولة استقطابهم والتأثير فيهم وتغير توجهاتهم نظرا للظروف القاسية التي يعيشونها، لكن هذا أصبح مخالفا لما هو حاصل تماما بالنسبة لتنظيم »داعش« الذي يستهدف شبانا و فتيات جامعيين ميسوري الحال ذوي مؤهلات وكفاءات علمية . بإعلانها حالة الطوارئ تكون تونس عبر سلطاتها العليا قد تأكدت من خطورة الوضع الأمني العام بالبلاد ، وبالرغم من تلك الإجراءات فإن الوضع لا يزال هشا بتقديرات الصيد ويستدعي اليقظة والحيطة لأن التهديدات الإرهابية لا تزال موجودة أمام حقائق الأرقام الآخذة في الارتفاع، التي تبعث على القلق من تنامي خطورة تنظيم »داعش« وأعداد المنتسبين له من مجندين ومشاركين في تنفيذ ما يسند إليهم من مهام قتالية، متبعين في ذلك نهج من وفدوا إلى التنظيم في سورياوالعراق من نحو 80 دولة حيث وصل عدد المنضمين إلى التنظيم قرابة 20000، مقارنة ب 15000 كانت إحصائية تقديرية قد سجلتهم في أكتوبر 2014، وفقا للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي. وإذا كانت القارة العجوز قد تصدرت قائمة رافدي عناصر جماعة »داعش« بالمسلحين من مواطنيها، خاصة منها فرنسا ب1200 مسلح خلال الفترة من أكتوبر 2014 حتى يناير 2015، فإن تونس في شمال أفريقيا تحتل الصدارة ب3000 مسلح بينما لم يرصد التقرير أي زيادة بالجزائر 250، والمغرب 1500، دون الحديث عن ليبيا التي أضحت قاعدة خلفية للإرهاب الذي يهدد كل المجتمع الدولي، وما يحدث بها سببه غياب الدولة.