في خضم جولة يومية «صوت الأحرار» المتواصلة والمتكررة لأجنحة المعرض المختلفة الراصدة لكل فعالياته ولقاءاته وندواته ومحاضراته، التقينا بالكاتب الروائي الأستاذ «محمودي حامد العربي» إذ كان لنا معه بعض الدردشة حول تقييمه للسنة العشرين لمعرض الكتاب الجزائري ثم ولجنا معه عالم الكتاب إلى جناح دار «ENAG» المؤسسة الوطنية الرائدة في النشر و تطوير الكتاب بالجزائر كان لقاءً مثمرا ومفيدا نستثمره في إثراء الثقافة و ربط حبل ود بين الكاتب وقراءه من قراء الجريدة ..وهو يقوم بالبيع بالتوقيع لآخر رواياته الموسومة «حرب الفتوى". بداية لنغوص في واقع الثقافة في الجزائر مع هاته الطفرة في النشر وفي رعاية الكتاب من طرف وزارة الثقافة مع إنشاء مركز الكتاب، ما هي تقييماتكم لكل ما يجري في سياق دعم الكتاب وتأطير نشره ومرافقة الكتّاب من خلال السنة العشرين لهذا العرس الثقافي المتجدد؟ أولا أحييك على تفاعلك المتواصل في نشر الوعي ومصاحبة التفاعلات الثقافية ورصد لكل جديد فيها ، لا يخفى على أحد جهود الدولة معرّفة في وزارة الثقافة في دعم وتطوير الكتاب ورعاية للكتّاب كيفما كانوا ومصاحبة لكل التظاهرات المختلفة وتطوير مستواها من حيث التأطير والمصاحبة والتوجيه والرعاية إلا أن ذلك يبقى قليلا بالنظر لمعطيات كثيرة منها وسع المساحة الجغرافية للبلد وترامي أطرافها حيث يبقى القارئ في عمق الجزائر وحتى الكتاب بعيدون جدا عن هاته التفاعلات الكبرى التي تستثمر فيها الوزارة جهدا مضنيا مرئيا لكنه يبقى محدودا في زاوية واحدة من الوطن الواسع . ما الذي يجعل من الكتاب صحبة النخب ومتعة القلة من القراء ولا يعوّم الساحة كلها ليصل الكثرة من المتلقين؟ فعلا ذلك يقرأ في سياق نقص المقروئية ومعطيات كثيرة منها ما يمكن أن يكون واقعيا ومنها ما يدخل في إطار تسارع الحياة وتطور نمط العيش والحصول على المعلومة من وسائط مختلفة غير الكتاب أو يرجع إلى غلاء مادة الكتاب في حد ذاتها ولمحدودية دخل الأسر الجزائرية ثم لتطور المراجع اليوم إلا أن الكتاب يبقى المعين الأول والمصدر الأزلي للمعلومة؟ رى بل ألامس كثيرا من الواقعية في كتابكم «حرب الفتوى» بل في كل كتبكم هل تميلون إلى الواقعية أكثر على غير عادة الكتاب الجزائريين؟ حامد: أكيد إذا لم نغص في الواقعية وشرح يومياتنا ومواكبة الحادث فيها لما لزوم الأدب أنا لا أجدني إلا كاتب الواقعية في الجزائر ليس بحثا عن النقائص وإنما محاولة فهم الواقع الجزائري بصيغة أدبية لائقة ولربما هي دفع حلول لبعض المستعصيات التي تواكب المجتمع نحن نرى أن يجب أن نكون مجموعة واحدة في الإحساس بالواقع ودفع حلول له وليس استنقاصا ولا هضما لحق أي أحد من أفراد هذا المجتمع وإنما محاولة مصاحبة الجميع للنهوض بهمة هذا الوطن وإن من مجال الدب الواسع الفسيح. اذن أنت تميل إلى تمكين و تصوير الواقع الجزائري بكل أوصافه وفعولاته مقبولة ومرفوضة في مشاهد روائية وقوالب تقربها من القارئ؟ طبعا إذا لم يواكب الأدب الواقع المعيش ما مدى صلاحيته إن الأدب هو عين القارئ التي يرى بها مجتمعه وهي المنظار الذي يقرب منه المشاكل والحلول الأسئلة الكثيرة والظنون لنذهب جميعا لفهمنا وفهم واقعنا والغوص فيه لحلحلة تلكم المشاكل وفهم الواقع بعين الناقد الراقب الذي يروم حلولا تواكب نفسيته وفهمه لذلك الواقع الذي يقربه منه ومن فهمه الأدب المتكامل المستنير الواضح الجلي الذي يبتعد عن السفسطة وعن العوم في عوالم الخيال المبتعد كليا عن مشاكل القارئ ويومياته أين يكمن الخلل في المجتمع أم في الروابط المتحكمة في تصوره والمحددة لعلاقاته ولكل هيئاته المختلفة أم على الأمة أن تؤسس لتصور متجدد حسب الحاجة والوقت وتجدد فكر الجيل وتصوره وواقعه حتى؟ فعلا لا يجب أن ننساق وراء كل تجديد أو تغيير من دون تمحيصه وفهم دواعيه وهل هو من ذواتنا ومنا أو دخيل علينا وعلى مكتسبات المجتمع المختلفة إذ يجب سيدتي أن نعي وجودنا في الفضاء العربي وأننا أمة لها عقيدتها ومنهجها ولها راسبها التاريخي الثوري العريق والعميق المتجذر في التاريخ الجزائر أمة ومجتمع ذات حضارة لا ينبغي أن نسطح فهمنا لذلك الواقع ولا ينبغي للكتّاب أن يميعوا الكتابة حول ذلك الواقع بل أن يغوصوا فيه شرحا وتحليلا وتعليلا ذلك هو هدفنا من الكتابة وليست الكتابة هدفا بحد ذاتها بل التنوير والتأصيل والدفع بحلول لعقد المجتمع الكثيرة في واقعنا. بعد هاته الجولة في الفكر لما كانت «حرب الفتوى» وما هي زاوية انطلاقتها؟ حرب الفتوى كانت دهشة في الحادث بيننا ومزيدا من الشك وطرح الأسئلة كيف يقتل الأخ أخاه كيف يقتل الفرد جزءً منه وكيف تصاغ الفتوى طائرة عبر الأجواء من قطر لقطر وهي الفتوى التي جاءت إحياءً للنفس البشرية تقتلها بقصور فهم الواقع ودفع الآخر ليس بالحجة والنقد والتمحيص وإنما بالإقصاء والإنهاء من الحياة كليا كانت حيرتي كبيرة في فهم ذلك الواقع المشين وتلكم الفتوى التي تأتي عبر الهاتف وعبر المطويات التي لا تفهم واقعنا بقدر بث سموم التفرقة والإقصاء والتقتيل وأنا من منظوري لا أفهم الواقع والصورة الفكرية للجزائر إلا بألوان مختلفة وبأفكار كثيرة وفهومات متحولة حسب الحاجة وتجدد الفكر من حولي كيف لمن يأتيك يقتلك أن تتفهم دوافعه وهو منك وأنت منه كانت هاته الرواية ملتصقة بالواقع الجزائري مبرزة تلكم النتوءات التي تحدثها الفتاوى الخاطئة والتي جاءتنا في غالبها مع الريح والجو لا للبناء وإنما لمزيد من التفرقة ولمزيد من التشتيت ليس إلا. لماذا آثرت الحديث عن الإرهاب تحديدا العشرية السوداء من حياة الجزائريين؟ وعما أكتب إذا لم أكتب عن مرحلة أكلت من عمري أحسن سنيِّها كما كل الجزائريين وبقت آثارها عالقة في المخيلة العامة كما في الواقع الجزائري وإن مسحت من سوئها المصالحة الوطنية وربتت على كتف الجموع إلا أنها مرحلة يجب أن تكتب عنها الأقلام الحقيقية الحقة التي تستطيع أن تدرس تلك المرحلة بكثير من التدقيق والتمحيص لكي لا نقع في الخطيئة مرتين خطيئة عدم الدراية بالمصوغات التاريخية لتلكم المرحلة وخطيئة النسيان التي لا يجب أن تنسينا كل شيء وغنما هناك مراحل من الوجوب تذركها والتحذير منها ومن سوءاتها. كيف تجد الكتابة عن مرحلة يعاف حتى ذكرها كل الجزائريين وقد كانت عاصفة هوجاء اكتسحت كل البيوت الجزائرية ومست كل الروابط فيها؟ بل بالعكس من الوجوب الكتابة عن تلك المرحلة من باب التحذير منها وكشف مسبباتها لكي لا نقع في الخطأ مرتين ليس تمجيدا لها ولا لفعولاتها وإنما تحذيرا منها ومن مسبباتها لكي نبتعد بمسافة عن كل ما ساقنا لها والتحذير مننه التعاطي مع تلك المرحلة ليس إشادة بها وإنما لكي نجتنب السقوط فيها مجددا ذاك ما بحثته في روايتي التي جاءت على شكل مبحث تاريخي تأصيلي لتلكم المرحلة المشينة من تاريخ الجزائر المعاصر. لماذا، أحقا يجوز للروائي ما لا يجوز للمؤرخ في حالة روايتك هاته من أنك بلا حدود وبلا ضوابط التأريخ للمكان والزوايا وقلمك متحرر نوعا ما من قيود القلم؟ ربما نعم، يسمح للروائي ولوج عوالم التحدث باسم الفاعلين والمفعول بهم والاستشهاد ببعض من أحاسيسهم ومن نجواهم وركوب تلكم المشاهد والتفاعل معها كغير عادة المؤرخ الذي يذكر الأحداث جافة متناسقة فيما بينها حسب الدلول التاريخي و التوقيع المماثل لها من دون تصرف فيها ولا تحوير للروائي أن يدخل وينشئ ويمحور الأحداث حسب نسقها روائيا وبنائيا كما لا يستطيع ذلك المؤرخ المجبر على الإنسياق وراء الأحداث جافة بلا صرفة الروائي له الحق وله الدراية الأدبية والتعبيرية التي تسمح له بتطوير وتطويع الكتابة لذات النسق الروائي. على ذكر التاريخ وحدوده هل كنت تترصد أخطاء الجزائريين وتراقب زلاتهم أم في سياق ما شاهدته كنت تدون الأحداث وترصد المشاكل والنتوءات التي أحدثتها مرحلة الإرهاب في تماسك المجتمع وتمزق كل روابطه؟ أبدا، على الاطلاق وإنما كنت أرصد الواقع لفم ونفهم جميعا كيف نتصرف في حلول واقعية لأخطائنا فقط والواقع هو أحسن مدرس لفهم حياة الجزائريين والحياة أخطاء ونجاحات لا غير هي الحياة هكذا. هل اتهمت أحدا بعينه في هاته الرواية أو حاولت تبرئة جهة ما لتقف مع جهة ما من خلال رصدك لمرحلة مهمة من تاريخ الجزائر في قلب روائي؟. الروائي ليس وكيل جمهورية ولا نائبا عاما يوجه التهم حسب كتكييفها قانونيا إنما كنت أرصد الأحداث في قالب أدبي محاولا فهم واقع الجزائريين من حيث الدين ومن حيث السياسة العامة من حولهم ومن حيث التعامل العام بين الجزائريين بمختلف مستوياتهم وميولاتهم. أستاذ حامد عما كنت تبحث من محاولة تسليطك الضوء عن واقع لا يريد جل الجزائريين تذكره والخوض فيه لتداعياته لماذا الخوض في واقع بئيس كذلك الذي خلقه وضع خاطئ لمرحلة قاسية من تاريخ الجزائريين ؟ حامد: تلك القسوة هي التي أجبرتني على الكتابة على ذلك الواقع ومن لم تهزه ليكتب عنها كيف يعرف أن يكتب عن غيرها وأنا بطبعي لا أبحث في الأحلام بقدر ملاحظتي ومقاربتي للواقع كتابة وتحويرا وأدب وذلك لب الأدب في حد ذاته أين أنت من واقع الرواية الجزائرية وكيف نصنف وجودك؟. لاأنا موجود ولا زلت أتنفس الأدب ولي كل عام رواية مع صعوبة النشر في الجزائر وعدم احترافية النشر عموما لكننا موجودون بخطى ثابتة ثاقبة نكتب بالواقعية التي نعيشها نتمنى الإجادة فما نكتب ولا نسعى للظهور لمجرد الظهور ولا للجوائز التي تعلمينها كيف تدار وكيف تؤخذ ليس في الجزائر فحسب بل في كل العالم العربي. إذن أنتم راضون عن مجهودات الدولة ممثلة في وزارة الثقافة على كل ما يبذل في هذا المجال من مركز الكتاب أو قسنطينة للثقافة وما نشر في كل المناسبات المتلاحقة؟. طبعا رضاء تاما كاملا لولا هاته المناسبات ما نشر الكثير من الشباب من الجزائر العميقة من الشعراء والأدباء هذا جهد مرحب به لكن دور النشر الخاصة لا تزال بعيدة عن المهنية ولا على الاحترافية ولا على تطوير أساسيات النشر. من خلال كل هذا ما هو تقييمك للنشر ولمستوى دور النشر في الجزائر؟ ما ذكرته سابقا يا صديقتي وأنت معي أدرى بأساليب هاته الدور الريعية التي تنتظر فقط كعك وزارة الثقافة ولا تشارك في تطوير الكتاب ولا مصاحبة الكتّاب المبتدئين هاته دور يجب أن يضبط عملها وفق منهجية عامة باحترافية وبتخطيط عام ضابط لعملها وان ترغم على النشر للكتاب المبتدئين على كل دار أن تصاحب عداد من الكتاب لكي تأخذ بيدهم لا أن تتحصل على الريع وعلى الفوائد من دون بذل أي جهد عام . أين يكمن الخلل تحديدا والدولة تبذل قصارى جهدها وتصرف الكثير لتطوير الكتاب؟ الحل ليس من وزارة الثقافة وحدها بل من الكل ناشرين وكتَّاب تطوير الكتاب في الجزائر مهمة الجميع لكي نسمو بفكر المجتمع ونطور من مؤهلاته الفكرية والثقافية والأدبية على وجه عام ثم ما مدى قيمية أداء الكاتب مثلا حيث يمنح الكاتب من كل مجهوده الفكري المضني مجرد 10 بالمائة من قيمة الكتاب المادية . إذن أنتم غير راضين عن تقييم ال10 بالمائة والطباعة صارت مكلفة وتطالبون أن تكون الطباعة ونوع الورق متطور؟. كيف أرضى، كان يجب أن يحصل على الأقل على نسبة ال50 بالمائة لا هذا فتاة في حين يحصل صاحب دار ريعي تاجر على ال90 بالمائة أرى أن هذا التقييم يجب أن يغير تماما وتقييم المجهود الفكري بمستواه وإلا كان أحرى بنا استخراج سجل تجاري وأخذ كل شيء من دون أي جهد فكري ولا إضافة للمجتمع وللثقافة. بعد تجربتكم هاته ماذا تقولون لكل مبتدأ في هذا المجال؟. إنه مجال ممتع لكنه صعب وله تجلياته من حوله وهو مكان مصارعة حلبة تتصارع فيها جهود كثيرة من مختلف الأهواء والمشارب وهي طريق طويلة شاقة مليئة بالدرنات والمطبات أن تنشر كتاب واحد كأن تفتح الأندلس من جديد أو أكثر في الجزائر. هل تجد الكتابة اليوم في تسارع الأحداث وتقلب السياسات وسقوط المنهجيات وتكسر العقائد على صدور المطالبين بالتغيير؟. لا يخفى عليك أن العالم كله من حولنا يقوّم فكره ويحاول التجدد بهدوء إلا أنه في العالم العربي أخذ ذلك شكلا من العنف لقصور الرؤيا وتفاهة الطرح وعدم تجذره وعمقه لذلك تشهدين هاته الهالة من العنف حول المشهد العربي العام وهي لحظات عابرة وسيستقر الأمر بعده كما حدث في كثير من الحضارات حولنا كما حدث إبان الثورة الفرنسية وما تلاها من تغيير في القرن التاسع عشر والكتابة هي الحل لكل ولكثير من الأخطاء الفكرية الدارجة وهو المصرح والمصاحب لكل تغيير حولنا. آخيرا لمن تهدي سلامك وتتمنى منه القبول والرضا؟. أهدي سلامي للقراء عموما وتحياتي لكل من علمني حرفا ومن ساقني لقدر الكتابة من معلمين وأساتذة كثر ساهموا في مسيرتي وفي صنع شخصي.