تلقّى الدروس الخصوصية إقبالا واسعا من قبل تلاميذ كافة المستويات الدراسية، ولم تعد حكرا على تلاميذ أقسام البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط وفق ما كان الحال عليه سنوات السبعينات والثمانينات، بل توسّعت وبشكل صادم للانتباه لتشمل كافة الأطوار والمواد، وبما فيها التعليم الابتدائي ومختلف مواده، وأصبح من المحتم على وليّ كل تلميذ أن يخصّ أبناءه باقتطاعات مالية معتبرة من أجره الشهري، تُحال على مدار أشهر السنة الدراسية كاملة، وبانتظام تام إلى الأستاذ أو الأساتذة الذين يلقّنون الدروس الخصوصية لأبنائه. ورغم أن الأغلبية الساحقة من الأولياء يرون أنفسهم متضررين ماليا من هذا التعليم الموازي، إلا أنهم جميعهم مقتنعين تمام الاقتناع أن هذه الدروس التدعيمية هي أمر مُحتّم، من أجل ضمان النجاح لأبنائهم في دراستهم النظامية وامتحاناتهم المختلفة. وما ضاعف من هوس الجميع، وفاقم من تشبت الأولياء بهذا التعليم الموازي الخصوصي غير النظامي في واقع الحال ومن دون تغطية أو سفسطة صوتية هو الهشاشة الواضحة التي تأصلت في منظوماتنا التربوية، والوهن والخواء التربوي الذي أصاب كافة مكوناتها، وما ترتب عنه من تضعضع كبير في مستوى التلقين والتلقّي. عبثا ومن دون تفكير ناضج، ورغبة في تغطية الشمس بالغربال، كانت وزارة التربية الوطنية في وقت مضى أصدرت قرارا، منعت بموجبه تلقين الدروس الخصوصية خارج الإطار النظامي، وقد كان أولى بها أن تبحث في الأسباب الفعلية التي تركت الأساتذة والتلاميذ والأولياء متفقين على إلزامية هذا التعليم الخصوصي الإضافي خارج أسوار الهياكل التربوية الرسمية، كان أولى بها أن تعترف بالهشاشة والضعف الذي يلفها، وأن تقرّ بالفشل في الإصلاح، الذي أملته لجنة بن زاغو، خارج إطار وزارة التربية الوطنية، وهي اللجنة التي كانت الجزائر فيها آنذاك لا تقو على أن تحسب ألف حساب لمنظمة اليونسكو التي هي من رحم منظمة الأممالمتحدة التي تقع تحت هيمنة كبار الدول الاستعمارية، ولا أن تقو على القول بلا لصندوق النقد الدولي، وباقي التنظيمات الاستعمارية المبطنة بدعاوى حقوق الإنسان، والدفاع عن الديمقراطية، وحقوق الأقليات وما إلى ذلك من ادعاءات تبريرية واهية وكاذبة. ولأن الأمر كان عند توصيات اليونسكو، وتوصيات صندوق النقد الدولي، وتوصيات منظمات الحقوق المذكورة، فقد عانينا الأمرّين في الدفاع عن لغة الوطن في الإصلاحات المفروضة، والدفاع عن تاريخ الوطن، ودينه، وجميعنا مازال يذكر في أنهم عبر لجنة بن زاغو حاربونا في مقوماتنا الوطنية الخالصة، عبر حربهم على المواد الأساسية المكونة والمهيكلة للشخصية الوطنية، وهم وجماعتهم عندنا وحتى يومنا هذا هم من أوقفوا زحف تعميم التدريس باللغة العربية في كلياتنا وجامعاتنا ومدارسنا العليا، وأغلقوا الباب في وجه من يريدون الانتصار للغة الوطن ومنظومة الوطن. توصياتهم المسمومة، المبطنة وغير المبطنة هي التي أوصلتنا في جزئها الأكبر إلى ما نحن عليه من وهن وضعف وهشاشة في منظومتنا التربوية، وحال الدروس الخصوصية هو الوجه المرئي من الوضع الكارثي التربوي الذي أوصلونا إليه، وإن كانت الدولة الجزائرية فعلا تريد اليوم إصلاحا تربويا حقيقيا، ووقفا تاما للتعليم الخصوصي الموازي، عليها أن تضع حدا بينها وبين كافة التوصيات القادمة من خارج الوطن، وأن توكل أمر الإصلاح الحقيقي لأبنائها المقتدرين، المؤهلين للتفكير الجاد والجيد، وأن تُخرج وزارة التربية الوطنية من دائرة الأساليب والطرق الإصلاحية الهدامة العتيقة العديمة الجدوى، التي تُظهر في كل مرة أنها لا تبحث عن إصلاح حقيقي بقدر ما تبحث عن كسر لغة الوطن والشعب، وكسر المواد التربوية الأساسية التي ينبني عليها كيان الفرد والمجتمع، وعليه نقول إن استفاقت الدولة لماهية الإصلاح التربوي الحقيقي، واستقامت في تقديرها لما هو واجب الإصلاح استقام التعليم النظامي في الجزائر، وزال التعليم الموازي، بل وزالت كل الظواهر الأخرى الهدامة.