يتواجد في محله منذ الصباح الباكر، ينظر إلى بضاعته المعروضة ويقوم بفرزها وترتيبها بشغف وحيوية والبسمة لا تفارق محيّاه، يجيب على جميع من يستفسرونه دون كلل أو ملل، يتنقل بين أرجاء دكانه الصغير وكأنه في متحف صغير مزيّن بأجود أنواع الأعشاب والعقاقير والزيوت الطبيّة على مختلف أنواعها وتعدد فوائدها، زرناه في دكانه المتواجد بعين البنيان، فأطلعنا على أسرار مهنته التي جعلت منه طبيبا في ثوب عطار ومنحته حبّ الناس وثقتهم، وكيف يقضي يومياته مع هذه الهواية العريقة. يفنا اليوم هو العطّار "برادي عيسى" المتواجد دكانه داخل السوق الشعبي 8 ماي 45 ببلدية عين البنيان غرب العاصمة، هو أشهر من نار على علم بالمنطقة وما جاورها، يزاول نشاطه منذ أكثر من عشرين سنة ويتوفر محله على جميع مستلزمات الطب البديل والأعشاب والزيوت الطبية والعقاقير والمستحضرات الطبيعية وما جادت به الطبيعة من خيرات، يحبه كل من يتحدث إليه من الوهلة الأولى، يلبّي جميع رغبات الزبائن ويساعدهم على انتقاء أفضل المستلزمات على حسب حاجة الزبون والغرض منها وكأنه طبيب في ثوب عطار، اقتربنا منه لنتبادل معه أطراف الحديث عن مهنته وعن يومياته مع هذه الهواية العريقة، قابلنا وكأنه يعرفنا منذ سنوات طوال. الأعشاب الطبية تستهويني وإرضاء الزبائن غايتي وفي دردشة جمعت »صوت الأحرار« مع بائع الأعشاب الطبية »عيسى برادي« قال إنه دخل مجال الأعشاب ويملك دراية وإلماما بفوائدها منذ سنوا ت الدراسة، حيث كان في أوقات فراغه يذهب إلى محلّ أخيه المتواجد ببلدية اسطاوالي منذ أكثر من ثلاثين سنة أين يتفقد الكتب والمجلات المختصة في الأعشاب بتمعّن ويساعده في عملية البيع والشراء، يضيف قائلا »اكتشفت مبكرا وأنا في 15 سنة من العمر حبي لهذه المهنة ولعالم الأعشاب الطبية، خاصة وأنني كبرت في أسرة تداوي بالأعشاب ولا تعرف الطريق إلى الطبيب أو الصيدلي إلا في الضرورة القسوة، أحببت هذه المهنة وأصبحت مع مرور الأيام أقتني الكتب وأطلع على فوائدها المتعددة فزادتني الرغبة واللهفة للتعمق في هذا العالم الطبيعي الساحر«. بينما نحن متواجدون داخل المحل لاحظنا دخول الزبائن وتوافدهم عليه بكثرة، فمنهم من يقوم بشراء العقاقير المخصصة للطبخ مثل» الكمون والكروية والفلفل الأسود والقرفة وراس الحانوت.....وغيرها« والبائع»عيسى« يقدّم سلعته إلى الزبائن بكل حيوية ونشاط يتنقل بين ذاك وذلك ويلبي جميع طلباتهم ويجيب على استفساراتهم دون كلل أو ملل، ومنهم من يقوم بشراء الأعشاب الطبية المخصصة للعديد من الأمراض، حيث يقوم بتقديم اقتراحاته لهم وتوجيههم إلى أفضل الأعشاب والزيوت المناسبة للأمراض المتعددة والمختلفة، أخبرنا أن هذا حاله منذ فتحه محله يوميا في حدود الساعة الثامنة صباحا إلى غاية الساعة 7 مساء. وبلهفة واشتياق ليوم جديد يتواجد عيسى داخل محلّه الصغير والذي يعتبره بيته الثاني بعد منزل العائلة، يقوم بارتداء المئزر الخاص بالمحل ويعرض بضاعته فوق الطاولات ويرتبها ترتيبا يسرّ الناظرين ويستعد لاستقبال العديد من الزبائن الذين يقصدونه من أماكن متعدّدة من الوطن لأنه كسب ثقتهم من خلال عرضه لمنتوجات أصلية منذ ما يفوق العشرين سنة دون أن يشتكي أحد من منتوجاته المتنوعة، وعن عالم الأعشاب قال »عيسى« إنه لا يستطيع الاستغناء عن هذه المهنة ولا يفكر في استبدالها بأي عمل أخر رغم الصعوبات التي يتلقاها من خلال جلب السلع والتي يأتي بها من أماكن بعيدة سواء داخل الوطن مثل الصحراء أو منطقة الشرق أو خارج الوطن كدولتي المغرب وتونس. خلال جلوسنا اليه أطلعنا »عيسى« على فوائد بعض الأعشاب والعقاقير والخلطات الطبية المطلوبة بكثرة تزامنا وفصل الشتاء، حيث عرفنا على فوائد »القرفة« قائلا أنها تعتبر عشبة شعبية طبية يستعملها العديد من الأشخاص كمشروب لذيذ وساخن في فصل الشتاء وذلك لاحتوائها على مادة فعالة وقابضة للمعدة لطرد الغازات ومطهرة للأمعاء ويطلبها بكثرة مرضى »الكولون« والمعدة، كما عرفنا على فوائد »بذور الكتا« بتأكيده أنّها تساعد علي خفض الكوليسترول، كما أنّ تناول بذور الكتان في الوجبات يساعد أيضاً على تدفئة الجسم، محذرا من هضمها بمفردها »بل يجب تناولها مع الماء ويجب طحن بذور الكتان حتى يتم الاستفادة من فوائدها الغذائية«، وغيرها من الأعشاب والزيوت مثل زيت الصبار، زيت النمل، الحبة السوداء، إكليل الجبل، الخزامى، زيت العود ....والعديد من الأعشاب والزيوت الطبية أطلعنا محدّثنا على فوائدها الجمّة. شفاء المرضى حافز على مواصلة العمل بالرغم من الصعوبات التي يتلقاها عيسى في جلب السلع والأعشاب الطبيعية لأن مصدرها يبقى بعيد عن العاصمة ويحتاج إلى التنقل والسفر أسبوعيا إلى داخل وخارج الوطن من أجل جلب السلع للزبائن، إلا أنه قال »رغم العراقيل لا أستطيع الاستغناء عن هذه المهنة التي أعتبرها نبيلة كونها تساهم في شفاء المرضى وهي مصدر رزقي الوحيد"، "مضيفا "أسعد كثيرا عند عودة الأشخاص إلى محلي وإخباري بأنهم شفيوا، ليكون شكرهم لي على ما قدمته لهم من أعشاب وخلطات طبية حافز على مواصلة العمل، صراحة هذا ما يحفزني على تقديم الأفضل لهم رغم الصعوبات التي أتلقاها أحيانا". العطّار..الصيدلي والطبيب المداوي وعن انتشار محلات بيع الأعشاب والزيوت الطبيعية بكثرة والتجارة بها على حساب المرضى، أخبرنا العطّار أن كل واحد يتحمل مسؤولية ضميره »فالعطار بالنسبة لي هو الصيدلي والطبيب المداوي منذ أيام زمان حيث كان ولازال يداوي الناس من خلال استعماله للأعشاب البرية ويقوم بتركيب خلطات طبية يصفها لمريض لم يعرف الطبيب في أيامه، وكان يحظى العطار بأهمية واحترام كبير وسط الجميع«، مشيرا في حديثه أن الطبيب له دور عظيم والمعدات الطبية التي تكشف الآلام والأمراض لا يمكن تجاهلها وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل الأدوية الشعبية "فكل دواء يكمل الآخر إلا أن الأدوية الشعبية فائدتها أفضل من الأدوية الكيميائية، والتشخيص الصحيح لأي مرض يجعل بائع الأعشاب الطبيعية قادراً على أن يقدم الأدوية الشعبية المناسبة للمريض كما لا يمكن وصف أي دواء دون معرفة الداء". وعن حياته العائلية أخبرنا "عيسى" أن بيته العائلي متواجد في بلدية الشراقة وهو أب لأربعة أطفال متمدرسين، ليسرّ إلينا أنّه يتوجه نحو تلقين إحدى أبنائه هذه المهنة الشريفة من أجل تسليمه المهام مستقبلا، "لأنها مهنة مطلوبة في كل الأماكن والعصور ولا تزول مع مرور الأيام ولا تندثر، وهي أمنية "عيسى برادي" العطّار الذي غادرنا محلّه تاركين إيّاه يزاول المهنة المطلوبة بكثرة، لنضرب لكم موعدا الأسبوع المقبل مع يوميات مواطن آخر.