تتحدث بعض المنابر الإعلامية عما تسميه »وقف إطلاق النار«، إلى درجة أن الأمر يوحي بأن هناك حربا وأن الظرف يقتضي وقف إطلاق النار أو، على الأقل، إعلان هدنة. في حين أن المسألة تتعلق بالسياسة وليس بالحرب. إن بعض التحاليل، التي ترصد الشأن السياسي الوطني، تقع في الخطأ، حيث أنها تتعاطى مع الأحداث، ليس من خلال الاعتماد على الوقائع، بل بالاستناد إلى معطيات خاطئة، فتقع بذلك في نتائج خاطئة، وهذا ما تترجمه بوضوح تلك القراءات الخاصة بما تسميه الصراع بين الأفلان وذلك الحزب. ولعل أكبر خطأ تقع فيه بعض التحاليل هو محاولة اختزال نضال وبرنامج ومواقف الأفلان في "صراع مزعوم"، وكأن إستراتيجية الحزب ترتكز أساسا وتحديدا على مواجهة "الحزب الغريم"، كما يحلو لبعض الصحف إطلاق هذه الأوصاف والنعوت. إن الأفلان يؤمن بأن الأحزاب موجودة لإنتاج الأفكار وتقديم التصورات وطرح البدائل، وليس الدخول في مهاترات الجدل العقيم أو خوض المعارك الخاسرة، يصدق ذلك على الموالاة والمعارضة، وهذا حتى لا تتحول الأحزاب إلى مجرد دكاكين سياسية أو أواني فارغة، لا تصلح إلا للضجيج! يؤمن الأفلان بأن السياسي الناجح هو من لديه القدرة على عرض أفكار جديدة والتعبير عن رؤية مستقبلية، بعيدا عن ثقافة التزلف، وأيضا بعيدا عن كل نظرة استعلائية، وهي التي تؤدي عادة إلى ما يشبه الاجتهاد- غير المحمود- في ابتكار قاموس السب والشتم، على وزن "الفيروس" وغير ذلك من الألفاظ التي لا تليق بممارسة سياسية نظيفة! لذلك، ومن منظور أن لكل حزب الحق المشروع في الدفاع عن خياراته ومواقفه، فإنه من الطبيعي جدا أن يؤكد الأفلان على حقوقه المشروعة، باعتباره حزب الأغلبية، وهو في ذلك لا يخوض صراعا ضد أي أحد، لا يتجاوز القانون ولا يرتكب جرما ولا يأتي بدعة! بل إن طرحه ينبثق من قوانين الجمهورية، وفوق هذا وذاك فإن الأفلان ما فتئ يؤكد التزامه ودعمه لقرارات رئيس الجمهورية، القاضي الأول في البلاد والحامي للدستور. إن الحديث عما يسميه البعض "صراع أجنحة" في سلطة بوتفليقة »غير مؤسس«، ولا يستند إلى وقائع ملموسة، وهذا لعدة اعتبارات يمكن ذكر أهمها: أولا:إن رئيس الجمهورية يمارس مهامه الدستورية، هو من يحكم والكل يأتمر بأوامره، وبالتالي فإن ما يجري الترويج له عن »صراع أجنحة« لا وجود له إلا في مخيلة أولئك الذين يحلمون بوجود هذا الصراع. ثانيا: إن الأفلان، من موقعه الطبيعي كقوة سياسية ونضالية أولى في البلاد، لا يمارس السطو على حقوق الغير ولا يدعي لنفسه ما هو ليس له، حين يؤكد على حقوق الأغلبية في الحكم وحقوق المعارضة في المراقبة، إن هذا هو جوهر الديمقراطية وأساس المنافسة السياسية؟ ثالثا:إن الحديث عن صراع الأفلان مع ذلك الحزب، إذا كان يعني التنافس، فذلك أمر طبيعي، لأن هذا هو المطلوب من الأحزاب، سواء كانت في الموالاة أو في المعارضة، ومن هنا فلا مجال للحديث عن صراع أو معركة أو حرب، بل هناك تنافس، بكل ما يعنيه ذلك من التزام كل طرف بقواعد اللعبة، وما تفرضه من احترام حق الغير وعدم التعدي عليه. إذن، هناك تنافس، وهو مشروع ويجب أن يكون، لكن ليس هناك صراع مع »الحزب الغريم«، أولا لأن قاعدة اللعبة واضحة، وثانيا، لأن الأفلان لا يبني وجوده ونضاله على معركة مع حزب معين، أما ثالثا، فلأن سلطة الرئيس قائمة، لا ينازعه فيها أحد، ولذلك فلا وجود ل "صراع أجنحة في سلطة بوتفليقة".