أعلن المجتمع الدولي الحرب على داعش، خلال فترة السنة ونصف السنة، لكنه برغم ذلك، يجد نفسه في أحسن حالاته، مواصلا تمدده في بلاد العرب والقيام بتفجيرات دموية في بلاد الغرب ومناطق أخرى رغم محاربته من أكثر من 60 دولة في العالم. ووسط عجز الحملات التي استهدفت التنظيم للحد من قدراته، لم يطرأ أي تغيير يذكر على حالته بل لوحظ أن داعش قد فتح فروعاً كثيرة له في دول عديدة وكسب إلى صفوفه ولاء ميليشيات إرهابية س33ابقة، بشكل يثبت وجوده القوي فيها على شكل جيش متكامل و دولة متحركة عبر حدود سوريا والعراق، و ما حاول القيام به ببن قردان في تونس انطلاقا من ليبيا التي يسيطر على بعض مدنها، مثلما طالت يده دولا أخرى تفجيرا وإرهابا، في وقت مازالت فيه باريس لم تتعاف من مخاوف هجومات أخرى، زادتها حدة تفجيرات مطار بروكسيل، وما حصل في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، وفي عدن وفي بعض الدول الافريقية، وكلها صور تؤشر أن داعش أخذ يظهر في كل مكان، بحسب قائمة طويلة للبلدان التي أعلنت عن وجود تهديدات من التنظيم ضدها. أرقام التجنيد .. وبصورته الأخطبوطية المروجة باستعراضات القوة السوداء و الذبح المباشر، يصر داعش تجنيد مناصرين له من كل أنحاء العالم من جهة، وبشكل يصعب في الكثير من الاحيان رصده واستشرافه ومنع الأشكال المختلفة التي يظهر بها في أماكن مختلفة من العالم من جهة أخرى . فكيف استطاع هذا التنظيم الانتشار بهذه السرعة ؟ . و مالسر في الكشف عن أرقامه ؟، فهل تم إختراقه، وإن كان ذلك فلماذا لم يفجر من الداخل ؟، وهل هو نتاج مسار إكتسبه من القاعدة والطالبان أم صنع دوائر إستخباراتية ضمن جيل جديد من الارهاب ؟، ألم يكلف داعش برسم خارطة سايكس بيكو جديدة على حد وصف جيل كيبل المختص في الدراسات الجيوبوليتكية والعالم الاسلامي. ما كشفت عنه الصحافة البريطانية من معلومات إنطلاقا من وثائق ل داعش تم تسريبها من منشق عن التنظيم الإرهابي مؤخراً تساعد على فهم أسباب وجود أخطر الشبكات وأكثرها إثارة للقلق حاليا، ذلك أن عدد المتطرفين الذين يسعون لإقامة موطئ قدم لهم في بعض الدول يبعث على الخوف، مثلما تشير الوثائق إلى عبور العديد من مقاتلي التنظيم الإرهابي في سلسلة نقاط ساخنة مثل اليمن والسودان وتونس وليبيا وباكستان وأفغانستان في أوقات متعددة. عبر معلومات شخصية ل 22 ألف إرهابي من تنظيم داعش، تضمنت أسماء وأرقام هواتف وكنيات (أسماء حركية) المنضمين، و صلاتهم العائلية، وفق طلبات يملؤها الراغبون في الانضمام إلى التنظيم الإرهابي، تظهر ان المنضمين للتنظيم جاؤوا من 51 دولة. وكشفت الوثائق عن هويات عدد من عناصر داعش لم تكن معروفة سابقا في المملكة المتحدة وشمالي أوروبا، وكثير من دول الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا والولايات المتحدة وكندا، ووفقاً لذلك احتلت تونس المرتبة الأولى في عدد الدواعش ب3000 داعشي تليها السعودية ب2500 ، ثم الأردن ب 2089، والمغرب ب1500، لبنان 880، ليبيا 556، مصر 360، العراق 247، الجزائر 200، فلسطين 114، الكويت 71، قطر 70 ... ومن الجهة الاخرى فرنسا ب 1300 داعشي، ثم روسيا ب 800، بريطانيا 700، ألمانيا 400، تركيا 400، أستراليا 270،بلجيكا 250، الشيشان 270، كازاخستان 150، السويد 150، هولندا 100، إسبانيا 100. وسائط التبليغ قراءة الأرقام تفيد عالمية التنظيم وقدرات التجنيد عبر مختلف القارات، ويعود ذلك أساسا، من خلال استثماره لشبكة الإنترنيت بشكل أمثل في موضوع الدعاية والنشر والاتصالات واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية في عملياته الداخلية والخارجية، وهو أمر لم يطرأ عليه تغيير برغم إعلان مدراء مواقع ومحركات البحث عن النية في إغلاق مواقع التنظيم على الإنترنيت والحد من قدرته على الولوج إليها وأخذ الكثير من الدول لاحتياط الرقابة. يقول أحد المتطرفين إن نصف المعركة يدور في فضاء الإنترنت، الامر الذي يثبت العلاقة المتنامية للإرهاب بالشبكة العنكبوتية، في عصر ما بعد ظهور موجة الإرهاب، حيث كان داعش السباق لتوظيف هذه الوسائل في عرض رسالته، وفي اجتذاب مناصرين له . وسجل عدد المواقع ذات المضامين التحريضية في العالم العربي ارتفاعا كبيرا منتقلا من 28 سنة 1997 إلى 5000 سنة 2005 ليبلغ 12500 موقعا سنة 2012، ليقدر حاليا حسب مركز متخصص في القاهرة بنحو 150 الف موقع يروج للتطرف والإرهاب على الشبكة العنكبوتية، وعبر خلاياه المنتشرة في العالم بأكمله، ينشر داعش أكثر من 3 ملايين تغريدة يوميا، وأكثر من 17 ألف صفحة تواصل اجتماعي. الذي يستطيع أن يجند مقاتلين بتلك الأرقام لا يمتلك شبكة أخطبوط بل شبكة عنكبوتية لها مراكز وفروع، تتجاوز الأرقام كأرقام بل لها منهجا فكريا تشتغل عليه، ومن الواضح أن تنظيم داعش لا يوظّف لغة واحدة ولا خطابا واحدا، بل يوظف الخطاب الديني حسب التيارات والفئات المستهدفة، ويعمل بمنهجية يسعى من خلالها إلى ضرب عمق المجتمعات واقتصاديات الدول، فكيف يمكن الحديث عن تنظيم في حالة انكماش وقد حول فكرة منابع تمويل الإرهاب إلى إرهاب منتج اقتصاديا، فاقتصاديات الدول تتحطم واقتصاد الإرهاب ينمو، في المقابل، اليوم يتم الحديث عن تنظيم يمول نفسه من موارده الخاصة بل اقتصاده أكثر من اقتصاد بعض الدول العربية والأجر القاعدي الذي يقدمه لمقاتليه من 2 إلى 5 ألاف أورو أكبر بأضعاف من الأجر القاعدي لبعض الدول . أموال الحرب ما ضمنه مجلس الأمن كقرار بفرض عقوبات ضد تنظيم داعش الإرهابي وبقطع مصادر التمويل عنه ومنعه من تجنيد عناصر مقاتلين من الأجانب، صدر دون أن يعرف مجلس الأمن كيف سيطبقه على تنظيم إرهابي كهذا يستطيع أن يجلب الأموال بعيدا عن أى قرارات تصدر من قبل أى منظمة أو جهة دولية، وحسب صحيفة لوموند الفرنسية فإن الأصول التى يمتلكها داعش تقدر ب2000 مليار دولار، وفي وثائق جديدة كشفت عنها مؤخرا سكاي نيوز البريطانية فإن ثروة داعش تصل إلى 9،2 مليار دولار، موزعة على النحو التالي: النفط بنسبة 38 بالمائة أي 095،1، الضرائب ب12 بالمائة أي 360 مليون دولار، الاسمنت ب10 بالمائة أي 292 مليون دولار، الخطف ب4 بالمائة أي 120 مليون دولار، الغاز ب17 بالمائة 489 مليون دولار، الفسفاط ب12 بالمائة أي 300 مليون دولار، الزراعة ب7 بالمائة أي 200 مليون دولار، الهبات ب2 بالمائة أي 50 مليون دولار، وهي أرقام بالنظر لما أوردته تقارير أخرى مفتوحة التدفق من مصادر تمويل أخرى غير معلومة و لمصلحته، برغم القيود التي تمارسها البنوك والشركات المالية الكبرى للحد من سيلان الأموال، حيث تفيد تقارير اخرى أن سيطرة التنظيم الإرهابي على سوريا والعراق، جعلته المتحكم الأول فى منابع النفط فى كل منهما، وحسب ما نشرته جريدة واشنطن تايمز، فالتنظيم الإرهابي يربح 50 مليون دولار شهريا من مبيعات النفط الخام وتهريبه عبر الحدود التركية والكردية بأسعار تتراوح بين 10 و35 دولارا للبرميل الواحد. كما يعتمد داعشعلى الضرائب كمصدر أساسى للدخل وتهريب الآثار، حيث ربح التنظيم حوالى 600 مليون دولار ضرائب فى العراق فقط خلال العام الماضى، وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، نقلا عن مؤسسة راند الأمريكية، وجمع 23 مليون جنيه إسترلينى من بيع قطع أثرية من النبق السورية، يضاف لها اثار نينوىحيث الحضارة الآشورية، ومتحف الموصل في العراق، وتشير التقديرات إلى أن المسلحين يجنون سنويًا 200 مليون دولار من الآثار المنهوبة. ومن ناحية أخرى تعتبر العبودية أحد المصادر التى يجنى بها إرهابيو داعش الأموال، فبحسب لوموند فإن التنظيم يستعبد الأقليات خصوصا النساء من أجل بيعهم بمقابل مادى يتراوح ما بين 40 و165 دولارا. ووصفت مجلة إنترناشيونال بيزنيس تايمز عقب إسقاط مدينة الموصل أن داعش .. أغنى تنظيم إرهابى على مستوى العالم، بعد أن قيامه بالسطو على خزائن البنك المركزى والتى وصلت إلى 420 مليون دولار، هذا فى الوقت الذى وصلت فيه حجم الأموال التى يحصل عليها من عمليات الخطف إلى 20 مليون دولار كفدية للرهائن الذين قام باختطافهم، وفقا لما ذكره تقرير مؤسسة راند . ولعل في تصريحات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن تلقى داعش تمويلا من قبل أشخاص من 40 دولة، ورصد المخابرات الروسية لتجارة النفط ومشتقاته غير الشرعية، هى من أكثر التصريحات التى تثير التساؤل حول أبعاد تجارة داعش ومصادر تمويله، فالنفط ما زال يشكل مصدر تمويله الأساسي و يجد له رواجاً في الأسواق العالمية، ويسيل من الأراضي السورية والعراقية، عبر طرق آمنة، إلى مقاصد محددة، ولم يؤثر عليه استهداف قافلة أو أكثر من قوافل نقله. وإن كان من سبيل لتجفيف مصادر تمويل داعش، فإن معالجة أمر تدفق نفطه إلى الأسواق العالمية هو الخطوة الأولى للقضاء عليه من الداخل، بدليل أنه في المناطق التي سيطر عليها قام بتأسيس المدارس الخاصة به وبتجنيد الأطفال والنخبة، كما تحكم في الوسائل التكنولوجية وأقام محاكمه الخاصة وصك نقوده، وهو ما يؤسس لثقافة خاصة به، بمعنى أن محاربة الإرهاب ليست بالكم، لأن هذا التنظيم، يتبنى ثقافة أخطر منه ومن قوته العسكرية، والقضاء عليه يحتاج إلى تقويضه من داخله وفي مناطق سيطرته، وعدم البقاء في دوامة المقاربة الكمية واختزاله في عدد المقاتلين والجنسيات دون الحديث عن التفاصيل الأخرى التي توفر له التمدد. Mokhtarbourouina @yahoo .fr