أرجع المؤرخ الجزائري محمد حربي الصراعات والغموض الذي اكتنف السنوات الأولى للاستقلال إلى غياب قوى حقيقية في المجتمع والانتيليجانسيا التي يمكن أن تعطي دفعا للعمل السياسي. كما انتقد بشدة المسار الاشتراكي، حيث أوضح أن من قرر النظام الاشتراكي وتسلم تطبيقه "أشخاص لا يعرفون عن الاشتراكية شيء وكل سيرها حسب طريقته وأفكاره". اعتبر حربي في مداخلته بالمكتبة الوطنية حول السنوات الأولى للاستقلال أن البعض ينظر إليها بسطحية، لكن الواقع أكد أنها حددت مسار الجزائر وأوصلتنا إلى ما نحن عليه، وأمام حضور معتبر على رأسهم المجاهد عبد الحميد مهري، ركز المؤرخ محمد حربي على الخلافات التي عرفتها السنوات الأولى لاستقلال الجزائر التي قال أنها جوهرية، وتتمحور حول نظام الحكم ونوعيته ليبرالي أو اشتراكي ومن يتحكم في السلطة وصلاحيات كل جهة وجهاز، وأكد حربي الذي عمل مستشارا في الرئاسة سنة 1963 أن مسألة التعددية طرحت بشدة، لكن كانت من أجل أن يحتفظ البعض بمناصبهم خوفا من أن يستحوذ طرف على السلطة ويتعرضوا للإقصاء، ولم يكن مبدأ ولا اختيارا استراتيجيا من أجل الجزائر وأضاف أن الاتجاه الغالب كان من أجل النظام الاشتراكي وأسبابه كانت متعددة. في نفس السياق تطرق محمد حربي إلى موضوع التسيير الذاتي ومسألة الأملاك التي تركها المعمرون والتي أدت إلى نقاش واسع في السلطة، حول سؤال جوهري هل نحتفظ بصيغة الجبهة أو نذهب إلى التعددية أو يصبح الحزب الواحد، أيضا هل نصادر كل ما تركه المعمرون أو نحترم اتفاقيات "ايفيان"؟ والمسألة الثانية هل نذهب إلى التأميم أو الخوصصة أو نتجه إلى نظام آخر؟، وأشار حربي في هذا السياق أن قادة مؤتمر طرابلس تبنوا اختيار التأميم وقد كانت للتجربة اليوغسلافية الدور الكبير في ذلك. من جهة أخرى انتقد حربي بشدة المسار الاشتراكي، حيث أوضح أن من قرره وتسلم تطبيقه "أشخاص لا يعرفون شيء عن الاشتراكية وكل سيرها حسب طريقته وأفكاره". وفي إطار آخر أرجع حربي ما حدث من صراعات والغموض الذي اكتنف هذه السنوات، إلى غياب قوى حقيقية في المجتمع والانتيليجانسيا التي يمكن أن تعطي دفعا للعمل السياسي. وأكد حربي أن الأطراف التي شاركت في الصراع آنذاك لم تنتهي بل استمرت وظهرت على الساحة بعد ذلك، مشيرا إلى البشير الإبراهيمي وفريق "القيم" منهم عباس عروة وتيجاني ورشيد بن عيسى الذين رفضوا تبني النظام الاشتراكي، بالإضافة إلى الليبراليون على رأسهم فرحات عباس. وتوصل حربي إلى خلاصة هو أن الدولة كانت ضعيفة في هذه الفترة وعمودها الفقري الوحيد كان الجيش وهذا ما يفسر ما حدث بعد ذلك. للإشارة فقد نظمت الندوة على هامش معرض للصور الفوتوغرافية بالمكتبة الوطنية للفرنسي إيلي كاغان صحفي ومصور بأسبوعية "ريفوليسيون أفريكان"، التي أسسها المؤرخ محمد حربي سنة 1963 حيث تتعرض إلى السنوات الأولى التي عقبت الاستقلال ومظاهر الحياة اليومية للمواطنين في المدن والقرى الجزائرية. أكد المتدخلون في هذا اللقاء من الذين شهدوا تلك الحقبة من بينهم المؤرخ دحو جربال أنها "كانت اللحظة الحاسمة حيث كانت السلطة (الوطنية) ملزمة بالاستجابة إلى تطلعات شعب خرج لتوه من ليلة استعمارية حالكة". وأفاض في نفس الطرح المؤرخ لمنور مروش الذي أسندت إليه فجر الاستقلال مهمة إدارة صحيفة المجاهد في طبعته المكتوبة باللغة العربية إذ استذكر ببالغ التأثر "تحمس" الجزائريين مشيرا إلى أنه بالرغم من الفاقة والبؤس كان المواطنون يجتهدون في تدبير أمورهم. وأضاف "كان المواطنون يتطلعون إلى بناء دولة ومجتمع انطلاقا من القاعدة" لكن ما حدث هو العكس. أما الكاتبة فضيلة مرابط فقد أشارت إلى وضعية المرأة الاجتماعية غداة الاستقلال، وانتقدت رؤية المجتمع للمرأة الجزائرية التي شاركت في الثورة لكن بعد الاستقلال أبعدت من العمل السياسي وطلب منها البقاء في البيت. في نفس السياق تأسف الزهوان ضابط سابق للولاية الثالثة التاريخية" على أنه في الوقت الذي كان الشعب الجزائري يظهر فيه تعبئة كبيرة وقدرات ضخمة في مواجهة التحديات كانت الأجهزة تتصارع فيما بينها.