ما عرفته العلاقات بين الجزائر ومصر كان مسلسلا فاشلا أكد أن المخططين له لم يضعوا أمام أعينهم إلا تنفيذ تعليمات حمقاء تستثمر فيها عواطف الشعوب وتهدف إلى تحقيق مشاريع من المؤكد أنها لا تستهدف بأي حال من الأحوال مصالح الشعوب. وأعترف أنني كنت مُقلاًّ في كتاباتي خلال الأيام الماضية حيث ركزت نشاطي الفكري على التعامل في إطار الفيس بوك )Facebook( لأنني رأيته أكثر فعالية وأشد تأثيرا وأبعد أثرا. لكن عودة الهدوء إلى الساحة لا تعني إطلاقا أن ننسى ما حدث، حيث أن عدم التوقف عنده لدراسة أسبابه وعلاج تداعياته سوف يؤدي إلى تكرار حدوثه، لمجرد أن من عملوا على إشعال شرارته ما زالوا موجودين بين الصفوف وخلف مراكز اتخاذ القرار. وأقول بداية أن حرصي على ألا تمس كرامة الجزائر بأي حال من الأحوال يعني أيضا أنني أرفض أن تمس كرامة مصر بأي حال من الأحوال، وعلى أساس أن نتفق على معنى الإساءة للكرامة، حتى لا يعتبر نقد الشابة الشهوانية مساسا بكرامة الجزائر وانتقاد الراقصة فيفي عبده مساسا بكرامة مصر. من هنا أرفض التعليق الذي هاجم الهاشمي جيار على تصريحه الذكي جدا في القاهرة، بقدر ما أرفض أي إساءة لعبد القادر حجار، الذي أعتقد أن قام بواجبه كسفير يحترم دوره. وأتذكر هنا تعليقا غاضبا في الفيس بوك ردا على نقد كنت وجهته على إحدى الفضائيات للسيد مصطفى الفقي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المصري، الذي قال في برنامج متلفز أن على مصر أن تؤيد المغرب في قضية الصحراء الغربية نكاية في الجزائر، وكنت قلت بأن الأشقاء في المغرب أكثر ذكاء من أن يستعملهم أي إنسان لتصفية لحسابه مع الجزائر. وكان مما أغضب المنتقد المصري أنني أوردت نصا نشرته صحيفة الخبر جاء فيه تحت عنوان: ردٌّ عمليّ على مصطفى الفقي، أنه : في الوقت الذي تسارع اتحادات وجمعيات رسمية في مصر إلى مقاطعة الجزائر في مختلف المجالات وحرق علمها، صوّتت الجزائر لصالح مصر في انتخابات المنظمة البحرية الدولية، التي جرت في لندن، وأسفرت عن فوز ممثل مصر بعضوية المجلس التنفيذي للمنظمة المذكورة، وقال ممثل مصر أن مندوب الجزائر لدى المنظمة البحرية، كشف له أن الخارجية الجزائرية طلبت منه أن يعطي صوته لمصر )انتهى(. لكن بعض ما قرأته عندنا كان يبدو أحيانا تصفية لحساب مع الانتماء الحضاري العربي الإسلامي للجزائر، قامت به اتجاهات شوفينية رديئة وتناغمت معها أحيانا، وبحسن نية غالبا، أقلام جيدة لم يكن لها أن تسقط في فخ من يبصق في بئر يشرب منها الجميع. وأتحدى أن يكون هناك من سمع جمال عبد الناصر يقول لأحمد بن بله عن الجزائر : تكفينا وتكفيكم، أو أن يتمكن أحد من إثبات الزعم بأن المصريين أرسلوا نجارين وحدادين للعمل في الجزائر كمدرسين، ولقد عرفنا من المصريين الدكتور دويدار والدكتور طعيمة الجرف ومئات آخرون، ربما لم يكن بعضهم مطلعا على آخر تطورات المودة الفرنسية، كما كنت كتبت في الستينيات، ولكن كفاءتهم، وبغض النظر أحيانا عن قضية اللهجة، لم تكن موضع شك. وإذا كنت لا أنسى بذاءات عمرو أديب أو مصطفى عبده وانحراف مصطفى الفقي ومصطفى بكري فإن علي ألا أنسى كلمات جمال بخيت وتحركات إبراهيم يسري ومواقف محمود سعد من منبر تلفزة مصرية. وإذا كنت سجلت مواقف مذيع رديء من أمثال تامر أو معتز الدمرداش فلا يجب أن أنسى مواقف منى الشاذلي، التي أعرف حجم ما سلط عليها من ضغوط، خصوصا بعد أن لبست إثر المباراة زيا من اللونين الأخضر والأبيض. وإذا كنت أدين سطورا بليدة كتبها أحدهم في »روز اليوسف« فإنني أسجل ما كتب في شقيقتها الصغرى، صباح الخير، بقلم ناهد فريد، التي كتبت وهي في قمة الاشمئزاز مما يحدث: »هناك سؤال أطرحه على نفسي: ألا يوجد في )التلفزة المصرية( رجل مسؤول أو رجل حكيم يطالب مذيعيه بالأدب في الحوار، وعدم استعمال ألفاظ أو صفات متدنية؟! هل منكم من يدلني على تليفزيون في العالم يطلب فيه المذيع الخروج إلى، لأنه مزنوق وعايز يدخل الحمام؟! هذه السابقة الأولى على مستوى العالم، حدثت في التليفزيون المصري والرائد الأول لها كان »الإعلامي« تامر أمين في »البيت بيتك«، الذي قام بهذا كرد فعل على حديث لم يعجبه أو لم يساير هواه للفنان فاروق الفيشاوي، والأخير كان يطالب بالتعقل في معالجة الأحداث عقب المباراة، ويتمنى أن تتكاتف الجهود لتكوين اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي، وكان يمكنه بكل بساطة ركوب الموجة وتوجيه السباب للجزائريين لينال استحسان تامر أمين ولا يضطره لطلب فاصل لدخول الحمام، على الملأ، وكان المفترض في أي جهاز إعلامي متحضر أن يستمع لرأي ضيفه وأيضا يحترمه وإن اختلف مع رأي معاليه )انتهى(«. وإذا كنت هنا أحيي فاروق الفيشاوي وزملاءه سمير غانم وعزت العلايلي وحسن مصطفى ونور الشريف وزميلاته مديحة يسري وماجدة وهالة صدقي، المسيحية المصرية الرائعة التي عجز صحفي مرتزق على أن ينتزع منها كلمة واحدة ضد الجزائر، كما أحيي محفوظ عبد الرحمن وحرمه سميرة عبد العزيز فإنني لن أنسى دناءة أمثال أحمد آدم وحسين فهمي ومحمد فؤاد وشريف منير وأحمد السقا ومحمود ياسين وأحمد بدير وبالطبع عمر الشريف وفردوس عبد الحميد، ومع التحفظ فيما يتعلق بعادل إمام، الذي حاول أن يمسك بالعصا من طرفيها، وبدون أن يشفع لهم أنهم تلقوا الأمر من صاحب الأمر. وإذا كان الشيخ الأزهري عبد الله النجار قد ولغ في صحيفة الجمهورية فلا أنسى أن الدكتور وائل قنديل عاجله في الشروق )المصرية( قائلا : أن يسقط إعلامي غير مؤهل في مستنقع الإسفاف والتسطيح فهذا وارد.. لكن أن يتحول أستاذ بالأزهر وعضو بمجمع البحوث الإسلامية إلى مشجع ألتراس )Ultras( درجة ثالثة فهنا المصيبة )..( فهو تفوق على مصطفى عبده ومدحت شلبي وقطع شوطا أبعد بكثير على مضمار الانفلات اللفظي فيما يخص أحداث الفتنة المصرية الجزائرية، حيث حرق كل المراحل وانتهى إلى إخراج كل الجزائريين من الإسلام ووضعهم في حظيرة الكفار في مقاله صبيحة يوم العيد. تقرأ سطور أستاذ الأزهر فتشعر للوهلة الأولى أن جيوش التتار غزت مصر وأمعنت في شعبها المسكين تقتيلا وتعذيبا، أو ربما استدعيت من الذاكرة صور كفار قريش وهم يطاردون المسلمين الأبرياء في دروب مكة ويعلقون لهم المشانق أمام الكعبة، وكنت أتصور أن الآفة في إعلام ساقط غير مسئول على الجانبين المصري والجزائري، غير أن ما جاء في هذا المقال يمثل وثيقة إدانة وتدنٍّ بحق الأزهر الشريف تستدعى من القائمين عليه تدخلا عاجلا ورأيا واضحا فيمن يرمى شعبا بأكمله بالكفر والإلحاد والإجرام، إلى آخر هذه السلسلة من الاتهامات الجزافية )انتهى( وإذا كان علي ألا أنسى كل التفاهات التي جاءت على لسان مرتزقة الفضائيات المصرية الخاصة فلا يمكن أن أنسى كلمات فهمي هويدي، الذي قال، بكل شجاعة، وفي صحيفة مصرية: أننا لم نعلن حقيقة ما جري أثناء مباراة القاهرة الأولي، وأخفينا أن الحافلة التي استقلها المنتخب الجزائري تعرضت للرشق بالطوب، الذي أصاب بعض اللاعبين بالجراح، وفي الوقت ذاته فإننا روجنا لرواية غير صحيحة اتهمت الجزائريين بافتعال الحدث، في حين أن ثلاثة من أعضاء الاتحاد الدولي )الفيفا( كانوا يستقلون سيارة خلف الحافلة )..( بعض وسائل الإعلام وبعض الشخصيات المعتبرة، علاء مبارك مثلا، أرجعت ما جري إلي »حقد« يكنه الجزائريون لمصر، في تسطيح وتبسيط مدهشين، وهو كلام لا يليق ولا دليل عليه، لأن العكس هو الصحيح تماما، ذلك أن الموقف الرسمي للجزائر تعامل دائما مع مصر بمودة واحترام كبيرين، منذ أيام الرئيس بومدين، الذي دفع للسوفييت قيمة السلاح الذي احتاجته بعد هزيمة 67، وإلي جزائر الرئيس بو تفليقة التي تنازل وزير خارجيتها الأسبق محمد بجاوي لصالح فاروق حسني في انتخابات اليونسكو. )انتهى( ولا يمكن أن أنسى اعتراف شريف الشوباشي من أن التليفزيون المصري، بكل الإمكانيات التي توضع تحت تصرفه : عجز عن التقاط صورة واحدة لاعتداءات الجمهور الجزائري علي المصريين في الخرطوم أو صورة للمستشفيات التي عولج بها المصريون المصابون أو حتى حوار مع الأطباء السودانيين المعالجين. وظهر كثير من المذيعين والضيوف وكأنهم غير قادرين علي السيطرة علي ألسنتهم, فانطلقت الاتهامات العشوائية والسباب في كل اتجاه، وكأن الموضوع صار مزادا علنيا يكسب فيه من يصرخ بصوت أعلي ويستخدم أكثر العبارات حدة وإثارة )انتهى( ولن أنسى تساؤل إبراهيم عيسى في الدستور : هل مصر فعلا صاحبة فضل علي البلاد العربية أو بالأحرى علي الشعوب العربية؟ حيث يبدو أن هناك إجماعا عاما واسعا ومسلما به بين المصريين علي هذا الأمر باعتباره حقيقة لا تقبل النقاش، الأمر الذي يستوجب فعلا مصارحة بيننا تستلزم أن نفتح عقولنا ونسأل أنفسنا عن أشياء باتت موضع البديهيات بينما هي في الأصل موضع شبهات )..( ومبدئيا فإن شعبا يلوك في فمه كلاما من نوع: »ده إحنا اللي عملناكم وإحنا اللي حررناكم«، وهذا اللغو المسكين يعبر عن استجداء المصريين للآخرين أكثر منه معايرة. وأعترف بأن أكثر ما يؤسفني هو أن ألاحظ بأن معظم الآخرين هم أكثر نزاهة وذكاء وموضوعية من كثيرين في بلادي.