[email protected] مثلما ودعنا 2008 قبل عام من الآن بسرعة فائقة ودون أن نشعر نقف اليوم مودعين 2009 ، لنستقبل عاما جديدا، عام 2010 قبل توديعه أيضا بعد حول من الآن، إنها سنة الحياة .. لكن من سنن البشر تقييم كل عام لاستخلاص الدروس والعبر، فمن الماضي ينبعث المستقبل. عام 2009 كان عام الفرح في الجزائر، لكنه غير مأسوف عليه بخصوص الوضع العربي خاصة فلسطين. سنة تاريخية في حياة الأمم والشعوب توجد سنوات ، تعد منطلقا للتأريخ، ف 11 سبتمبر مثلا أصبح منطلقا للتأريخ الدولي، فنقول العالم قبل 11 سبتمبر وما بعده، وشهر سبتمبر 2007 أصبح شهرا للتأريخ بخصوص الأزمة المالية العالمية، فنقول الاقتصاد الدولي قبل الأزمة المالية وما بعدها، كذلك بالنسبة للفرح، فإن 2009 أصبح عاما للتأريخ، فباستثناء تاريخ الاستقلال، لم تشهد أي محطة تاريخية أخرى في تاريخ الجزائر المستقلة يوما خرج فيه الشعب إلى الشوارع يعبر عن فرحته ووطنيته واعتزازه بجزائريته مثلما حدث في عام 2009 بسبب تتالي انتصارات الفريق الوطني لكرة القدم وتأهله لكأسي إفريقيا والعالم 2010 ، جميع الجزائريين من الطفل الذي لا يعي شيئا بعد إلى العجوز الذي هو على مشارف توديع الحياة .. كلهم فرحوا فرحا تاريخيا .. لا يعتقد كثير من الملاحظين أنه سيتكرر . بدون شك هناك أشباب عديدة منها أن كرة القدم الجزائرية حققت الانتصارات، ومنها أيضا أن الجزائريين تعرضوا لحملة عدوانية قاسية من طرف الفضائيات المصري. وقد امتد عام الفرح منذ شهر مارس عقب التعادل مع فريق رواندا إلى غاية ديسمبر، ومازالت الفرحة مستمرة. صحيح أن الفرحة صنعتها كرة القدم، لكن هناك رجال ودولة كاملة وقفت انتصار الكرة الجزائرية، والجسر الجوي التاريخي نحو الخرطوم دليل على ذلك. الوطنية والفرحة تولدها الإنجازات لكن أيضا وبعيدا عن كرة القدم، من المؤكد أن تكون هناك انجازات كبيرة تمر في صمت، وتكون قد صنعت الفرحة أيضا خلال عام 2009 ، منها نجاح المستشفيات الجزائرية في إجراء بعض العمليات الجراحية على القلب عن طريق الذبذبات، وكذلك تدشين نسب كبيرة من الطريق السريع شرق غرب الذي مكن المواطنين من قطع المسافة بين سطيفوالجزائر مثلا في 3 ساعات بعد أن كانت تقطع في حوالي 6 ساعات. وفي خضم عام الفرحة هذا انبعثت الروح الوطنية من جديد بعد أن ظلت كامنة في قلوب الجزائريين بمن فيهم مزدوجي الجنسية ، لقد بينوا تمسكهم بهويتهم ، وما الاحتفالات التي قام بها الجزائريون في الخارج في فرنسا وكندا وبريطانيا وغيرها إلا دليل على ذلك. * تراجع الإرهاب وشيوع الأمن وهناك جوانب أخرى مشرقة في جزائر 2009 ، فهذا العام يصفه المراقبون بأنه الأهدأ بالنسبة أمنيا، حيث لم تشهد البلاد أية عملية تفجير انتحارية خلاله ، ما عدا عملية واحدة في تادميات بتيزي وزو بتاريخ 6 مارس. بل إن وحدات مكافحة الإرهاب تمكنت من القضاء على نحو 289 إرهابي، منهم 12 أميرا، في حين قام نحو40 إرهابيا بتسليم أنفسهم لمصالح الأمن. كما حققت الجزائر مكسبا دبلوماسيا في هذا السياق، بعد أن صادق مجلس الأمن الدولي، على لائحة تجرّم الفدية للإرهابيين، بعد أن ظلت الدبلوماسية الجزائرية لسنوات تطالب بتجريمها باعتبار أن الفدية تعتبر وسيلة من وسائل تمويل الإرهاب. وقد نقلت وسائل إعلامية أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تمكن من جمع أزيد من 10 مليون أورو كفدية بين عامي 2003 و 2009. الحرقة ، تأسف وأمل بدون شك، إن الفرحة العارمة التي حققتها كرة القدم، أخفت كثيرا من النقائص في التسيير والإدارة، وهو ما يتأسف له الجزائريون خلال عام 2009. لأن هناك بعض المسائل لابد أن نصل إلى إيجاد حلول لها ، مثل فتح المجال السياسي والإعلامي خاصة إنشاء فضائيات تلفزيونية، وقد بينت الحملة الإعلامية المصرية المسعورة ضد الجزائر مدى ضرورة وخطورة امتلاك قنوات فضائية ، لأن الإعلام اليوم أصبح حصن الدفاع الأول عن السيادة. ويتأسف الجزائريون كثيرا لاستمرار ظاهرة الحرقة ، لأن عام 2009 كان عام الحرقة أيضا ، ففي شهر في أوت 2008 مثلا تم إحباط أكبر عملية حرقة في تاريخ الجزائر في مدينة عنابة، أسفرت عن توقيف 86 حراقا تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 35 سنة من بينهم جامعي، فتاة وطفل، كانوا ينوون الحرقة نحو سردينيا عبر 5 زوارق . كما توفى خلال عام 2009 13 حراقا من مدينة سكيكدة، ورمت بهم الأمواج إلى شواطئ نابل التونسية. كما نقلت تقارير إعلامية دولية منها تي في 5 الفرنسية عن توقيف مصالح خفر السواحل الإيطالية 200 حراقا جزائريا وصلوا سردينيا، عبر 10 قوارب تقليدية الصنع. وحسب منظمة أطباء بلا حدود أن نحو 35 حراقا جزائريا غرقوا خلال السداسي الأول من عام 2009 . في المحصلة وبدون شك، وبدون تسويد ، فإن الحكومة والمجتمع ووسائل الإعلام مطالبون جميعا باستثمار الفرح خلال عام 2010 وتحويله إلى قوة للنهضة الحقيقية في مختلف المجالات، لأن الحرقة وحتى الهجرة الشرعية والغضب وأعمال الشغب واليأس والإحباط يأتي من قلة الإنجازات .. إن الناس تلتف حول من يسعدها ويفرحها .. إن الشعب يريد مسؤولين يحققون شيئا إيجابيا.