طبّي يؤكّد أهمية التكوين    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    استئناف نشاط محطة الحامة    السيد بلمهدي يبرز بتيميمون امتداد الإشعاع العلمي لعلماء الجزائر في العمق الإفريقي والعالم    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    مجلس الأمن: الجزائر تعرب عن "قلقها العميق" إزاء التدمير المتعمد لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    قرار محكمة العدل الأوروبية رسالة قوية بأن كفاح الشعب الصحراوي يحظى بدعم القانون الدولي    إيطاليا: اختتام أشغال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    لبنان: الأطفال في جنوب البلاد لا يتمتعون بأي حماية بسبب العدوان الصهيوني    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يلتقي بنظيره الليبي    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7: السيد مراد يتحادث مع نظيره الايطالي    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    ضبط قرابة 94 كلغ من الكيف المعالج بتلمسان والنعامة قادمة من المغرب    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    زيارة المبعوث الأممي لمخيمات اللاجئين: الشعب الصحراوي مصمم على مواصلة الكفاح    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن يصدرون بيانا مشتركا بشأن الوضع في الشرق الأوسط    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    السيد بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للمشاركة في أشغال اللجنة الأممية الرابعة    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    لماذا يخشى المغرب تنظيم الاستفتاء؟    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: سينمائيون عرب وأوروبيون في لجان التحكيم    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هل الشعر ديوان العرب..؟!    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    تدشين المعهد العالي للسينما بالقليعة    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    قوجيل: السرد المسؤول لتاريخ الجزائر يشكل "مرجعية للأجيال الحالية والمقبلة"    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكمة مسعى الحكومة البريطانيّة لِتَرضية إسرائيل
نشر في صوت الأحرار يوم 21 - 12 - 2009

انفجر نزاع دبلوماسي بريطانيّ أسرائيليّ على إثر إصدار مذكّرة باعتقال تزيبي ليفني، بتهمة ارتكاب جريمة حرب أثناء العدوان العسكريّ على غزّة. فقد سارع كل من الوزير الأول غوردن براون ووزير الخارجية دافيد ميليباند لطمأنة حكّام إسرائيل على أنهم يتفهّمون التخوّفات الإسرائيليّة، ووعدوا يتغيير القانون. ولكنّ رجال العدل تصدّوا لهذا التوجّة الذي يروْا فيه إساءة لسمعة العدالة البريطانيّة النّابعة من التقاليد الدّيمقراطيّة المتأصّلة، وإشارة صريحة للتنصّل من تعهّداتها الدوليّة بتقصّي أعقاب المورّطين في ارتكاب جرائم حرب ومعاقبتهم.
وكان من المقرّر أن تأتي تزيبي ليفني إلى لندن، إلا أنّها تكون قد ألغت زيارتها منذ أسبوعين تحّسبا لمثل هذا القرار القضائي. أمّا مذكّرة الإيقاف فقد صدرت عن محكمة بلندن استجابة لمحامين كلّفتهم أسر فلسطينيّة من ضحايا العدوان الإسرائيليّ على غزّة، حينما كانت تزيبي ليفني تشغل منصب وزيرة الخارجيّة الإسرائليّة، وذكروا أنّهم شاهدوا المرأة وهي تحضر ندوة ل "الصندوق الوطنيّ اليهودي" بلندن.
وعلى الرّغم مع أن المذكّرة تمّ إلغاؤها عندما تبيّن أنّ تزيبي ليفني، زعيمة حزب كاديما المعارض الرئيسيّ في إسرائيل، لم تحظر لبريطانيا في الإصل، فإنّ السلطات الإسرائليّة لم تَنْجبر خواطرها. وقد سارع غوردن براون من كوبنهاغن في اتصال له بتزيبي ليفني، ليؤكّد أنّه: "يعارض بصفة مطلقة" مذكّرة اعتقالها الصّادر من طرف العدالة البريطانيّة. وهو نفس الموقف الذي عبّر عنه حزب المحافظين أثناء مساءلة الحكومة الأسبوعيّة أمام البرلمان. ووصفت من جهتها صحيفة التايمز الواقعة ب: "البغيضة".
و كان دافيد ميليبند، وزير الخارجيّة، قد اتّصل بنظيره الإسرائليّ أفيغدور ليبرمان ليعتذر عمّا حصل وقال أنّ جسمه قد اهتزّ لمّا سمع بالخبر، وأكّد له أنّ: "الموقف لا يُحتمل".
وذهب دافيد ميليبند في بيانه إلى القول ب: "أنّ الإجراءات التي تمّ بمقتضاها إصدا ر مذكّرة الإعتقال بدون اطلاع المدّعي العام مسبقا أو استشارته، هو ممارسة غير عادية ضمن القانون... وأن الحكومة البريطانيّة ستبحث في أقرب الآجال السبل التي ستحقّق تغيير النظام البريطاني لتجنّب تكرار وقوع مثل هذه الوقائع مرّة أخرى"، لأنّ قادة إسرائيل: "يجب أن يكون في وسعهم زيارة بريطانيا وأن يكون في إمكانهم التحدّث للحكومة البريطانيّة".
أمّا من الجانب الإسرائيليّ فقد وصف بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الإسرائيليّ، قرار المحكمة بأنّه "غير منطقي". في حين اعتبره شمعون بيريز، رئيس الكيان إسرائيل، بأنّه: "خطأ جسيم" ارتكبته بريطانيا.
أمّا سفير كيان إسرائيل ببريطانيا فصرّح بعد محادثات أجراها مع ميليبند بأنّ: "بريطانيا مدعوّة لاتّخاد موقف صارم للحيولة دون أن تصبح بريطانيا ميدانا للمتطرّفين من أعداء إسرائيل".
وقالت وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة أنّ: "غياب موقف صارم وفوريّ لتصحيح هذا الإنحراف سيؤدّي إلى الإساءة للعلاقة بين البلدين... وأنه إذا تعذّر على القادة الإسرائليين أن يزوروا بريطانيا بطريقة مشرّفة، فإنّ ذلك سيكون عائقا يحول دون أن تتحقّق رغبة بريطانيا في أن تلعب دورا فاعلا في مسار السّلام بالشّرق الأوسط".
ومعلوم أنّ إسرائيل تحجّجت لدى القيام باعتدائها على غزّة بكونها كانت في موقع الدّفاع عن النّفس. كما أنّ الضحايا من سكّان غزّة كانوا، بالنّسبة لها، من عداد المقاتلين.
ولكنّ تقرير ريشارد غولدستن الذي أقّره مجلس حقوق الإنسان للأمم المتّحدة في أكتوبر الماضي، في غياب ممثّل بريطانيا، والذي صادقت عليه الجمعيّة العامّة في نوفمبر، قد توصّل إلى أنّ خروقات لمعاهدة جنيف الرّابعة قد ارتكبتها القوات الإسرائيليّة، بما ذلك القتل المتعمّد.
وكانت تزيبي ليفني قد لعبت دورا حاسما في اتخاذ قرار الحرب على غزّة قبل وأثناء الأسابيع الثلاثة التي استغرقتها تلك العمليّة العسكريّة المسمّاة "الرّصاص المصبوب" والتي أودت بحياة أكثر من 1400 فلسطيني. وهي مازلت تُصرّ على فخرها بمواقفها أثناء ذلك الإعتداء الغاشم، وتتبجّح بأنّها لن تتوان في تكراره.
ونذكر هنا أنّ التايمز البريطانيّة كانت نشرت لمراسلها من تل أبيب أثناء ترشّح تزيبي ليفني للتنافس على منصب رئاسة الوزراء في جوان الماضي مقالا جاء فيه بأنّ تزيبي ليفني: "كانت عميلة في باريس أثناء بداية الثمانينات لدى الموساد، مصلحة المخابرات بالخارج، عندما تمّ تنفيذ مجموعة من العمليّات لتصفية الفلسطينيين ... في العواصم الأوروبيّة ... كما أن كلاّ من أبيها وأمّها قد أُوقفا بسبب قيامهما بأعمال إرهابيّة في الأربعينات... ".
وقد أثارت هذه الرّدود العاجلة من طرف المسؤولين في المملكة المتّحدة استغرابا كبيرا على الصعيد القانوني. فكتب الصحافي شومس ميلن من الغارديان بأن: "المتوقّع هو أنّ الدّول تسارع إلى الدّفاع عن الإحتكام لقواعد القانون وإلى السعي للتحقيق في الجرائم المرتكبة والعمل على أن ينال المجرمون ما يستحقّون من جزاء. ولكنّ شيئا من هذا لم يحدث. فقد ثارت ثائرة الرّسميين في بريطانيا لدى إصدار قاض بلندن مذكّرة إيقاف لوزيرة الخارجيّة الإسرائليّة السّابقة تزيبي ليفني وفق حجج عن القيام بخروقات خطيرة لقوانين الحروب على إثر ما حدث في غزّة". وأضاف: "يبدو لدى الحكومة البريطانيّة أن تلك الشواهد الواضحة لجرائم الحرب الدّمويّة في غزّة ليست من قبيل ما لايطاق – بما في ذلك قتل مدنيين يلوّحون بالأعلام البيضاء، واستعمال البشر كدروع للإحتماء، وإطلاق الفوسفور على المدارس".
ما لا يُطاق عندها هو: "محاولة تطبيق مبدإ العدالة الدّوليّة الذي تتدّعي بريطانيا التمسّك به لمحاسبة السياسيين الذين أمروا بالقتل". كما أثارت تصريحات الوزير الأوّل سخطا واسعا لدى رجال القانون والمنظّمات المناصرة لحقوق الشّعب الفلسطينيّ. وقد عبّر المحامي دانيال ماشوفر عن اسمئزازه الشديد: "لكون أنّ قاضيا قد أصدر مذكّرة اعتقال فقام موظّف في الحكومة بالإعتذار عن ذلك".
وكان قد تمّ البدأ بتطبيق مبدأ العدالة الدّوليّة منذ 1999 عندما بدأت محاكمة الجنرال بينوشي لما ارتكبه من جرائم في الأرجنتين أثناء السبعينات من القرن الماضى، بغطاء أمريكيّ، بعد الإطاحة بنظام أليندي الإشتراكيّ. وهو المبدأ الذي أقرّه قانون العقوبات لسنة 1988 في المملكة المتّحدة.
وقد تكرّرت محاولات تطبيق مبدأ "العدالة الدّوليّة" على مسؤولين إسرائيليين مورّطين مع مصالح الجيش والإستخبارات الإسرائيليّة. حيث حاول في سبتمبر الماضي مدافعون عن ضحايا فلسطينيين تطبيق ذلك المبدأ، لتوقيف إيهود باراك، وزير الدّفاع الإسرائيلي عندما جاء لحظور أشغال المؤتمر السنويّ لحزب العمّال البريطانيّ. ولكنّ وضعيته الرّسميّة منحته صفة الحصانة الدبلوماسيّة، وفقا لقانون الحصانة لسنة 1978، وهذا ما لم يكن متوفّرا لدى ليفني حين زيارتها المبرمجة.
وفي سنة 2005، عاد الجنرال المتقاعد دورن ألموغ إلى إسرائيل دون أن يغادر الطائرة التي حطّت به في مطار هيثرو بلندن، بعد أن تمكّنت سفارة بلده من معرفة وجود مذكّرة اعتقال ضدّه بتهمة تدمير مبنى بغزّة حيث تمّ قتل 14 فلسطينيا سنة 2002.
كما ألغى بعض القادة الإسرائيليين زياراتهم لبريطانيا خلال السنوات المنصرمة، بمن فيهم موشي يالون القائد العسكريّ وأفي ديشتر الرئيس الأسبق لمصلحة الإستخبارات الشين بات.
وقد قدّر أفيغدور وزير الخارجيّة الإسرائيائيليّ عدد المهدّدين بالمتابعة لما يصل إلى ألف من أفراد الجيش وعناصر مصالح الإستخبارات. وهكذا، فإنّ حادثة الأسبوع الماضي ستكون أيضا، كما اعترف بذلك نائب سابق في الحزب الليبراليّ الإسرائيليّ مارتاز، تحذيرا لمن بيدهم سلطة القرار بأنّه: "عليهم أن يقدّروا مسبقا تبعات قراراتهم على المستوى الدّوليّ وما قد يدفعونه شخصيّا من ثمن قبل أن يتّخذوا قرارا بالدخول في مغامرة عسكريّة".
وفي هذا الصّدد أشارت التايمز أنّ المناصرين للقضيّة الفلسطينيّة قد يئسوا من الأمل في تطبيق أيّ قرار تصدره الأمم المتّحدة أو غيرها من الهيئات الدّوليّة، فلجأوا إلى المحامين الخواصّ.
أمّا التخوفات التي أثارها الرّسميون الإسرائيليون في وجه السلطات البريطانيّة من أنّ تطبيق هذا المبدأ اليوم على إسرائيل سيطال غدا المملكة المتحدة والولايات المتّحدة بسبب ما تقومان به من جرائم حرب في كلّ من العراق وأفغانستان فقد تناولته صحيفة الغارديان، باعتباره شكلا من أشكال الكيل بمكيالين. حيث قال أحد صحافييها أن الموقف الرسميّ لبريطانيا قد كشف حقيقة أنّ مبدأ العدالة الدّوليّة وكأنّه كان يُنتظر أن يتمّ تطبيقه فقط على الدّول الإفريقيّة أوعلى تلك الدّول التي قد تتحدّى القوى الغربيّة، وليس على إسرائيل باعتبارها من "الشركاء الإستراتيجيين" و "الأصدقاء المقرّبين" على حدّ وصف ميليبند.
ومن وجهة نظر الصّحافة البريطانيّة، تمّ تفنيد تلك الحجّة الإسرائيليّة القائلة بأنّها الوحيدة التي ذهبت ضحيّة توجيه تهمة ارتكاب جرائم حرب، واعتبروا ذلك محاولة منها لتضع نفسها فوق القانون الدّوليّ، حيث ذكّروها بأن محاولات إحالة قادة أمريكان وبريطانيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في العراق وأفغانستان قد تمّ استبعادها ولكنّ تحقيقات رسميّة قد تمّ إجراؤها تمخّضت عن إدانات، وإن كان ضدّ أصحاب المراتب الدّنيا من القرار.
كما أنّ مبدأ العدالة الدّوليّة ليس جديدا، حيث أنّ المعاهدة الخاصّة بالتعذيب الصّادرة سنة 1984، والتي وقّعت عليها 124 دولة، تُلزم الحكومات أن تُتابع المتّهمين بالقيام بالتّعذيب خارج حدود مناطق اختصاصهم الجغرافيّة أو تُرحّلهم. كما أنّ اتفاقيات جنيف لسنة 1949، والتي وقّعت عليها 189 دولة، تُلزم كلّ الدّول بأن تتقصّى كل مرتكبي المخالفات الخطيرة وتعاقبهم. كما أن مبدأ العدالة الدّوليّة هو الذي مكّن إسرائيل من محاكمة أدولف أيشمان بالقدس سنة 1961.
وفي رأي السير جيوفري بيندمان، ممثّل المنظّمة العالميّة لحقوق الإنسان في محاكمة بينوشي والرئيس الحالي للمعهد البريطانيّ لحقوق الإنسان، فإنّ: "التقدّم في تطبيق مبدإ العدالة الإنسانيّة فيما يتعلّق بالجرائم ضدّ الإنسانيّة من الإهميّة بمكان ألاّ تُعرقله احتجاجات الحكومة الإسرائيليّة".
كما تمّ أيضا تفنيد تلك الحجّة القائلة بأنّ تطبيق مبدإ العدالة الدّوليّة قد يُلحق الضرر بالمفاوضات السلميّة لكونه سيحول دون أن يتمكّن بعض السّاسة الإسرائليين من السّفر للخارج. فجاء في الغارديان أنّ المسؤولين الحكوميين يستفيدون من الحصانة الدّبلوماسيّة، وبالتالي فلن يطالهم هذا القانون، أمّا سفر زعماء المعارضة الإسرائيليّة فلن يؤثّر على أي حلّ سياسي في الشّرق الأوسط أكثر من سفر خالد مشعل زعيم حماس. بل إنّ الأمر يستدعي: "أن تبدأ الدّول الغربيّة بتطبيق نفس المعايير على طّرفي التّزاع". ومعروف أنّ ميليبند قد جوّز إمكانيّة التفاوض مع حزب اللّه وحماس.
وردّا على الوعد بتغيير القانون الذي سمح بتلك "الخطيئة"، قالت كثير من التعليقات بأن المنطقي ليس طلب إسرائيل بتغيير القوانين البريطانيّة ولا تفكير السلطات البريطانيّة التّجاوب مع هذا الطلب، بل أن تقوم إسرائيل، وفق ما أقرّه تقرير الأمم المتّحدة لغولدستون، بالتحقيق بنفسها في سلوكات جنودها أثناء الإعتداء العسكريّ على غزّة.
وذهبت الغارديان إلى: "أن تجاوب الحكومة مع غضب إسرائيل لم يخدم سمعة القضاء البريطانيّ... فبِأيّ صفة يعتذر الوزير الأوّل أو وزير الخارجيّة، أو أيّ عضو آخر من الحكومة عن تصرّفات قام بها جناح من أجنحة الدّولة ليس لهم عليه أي سلطة؟... فقد يقول قائل أنّ من مصلحة الحكومة البريطانيّة أن تُحافظ على استمرار علاقتها بوزير خارجيّة سابق، يمكن في حالة عودته لسدّة الحكم أن يتّبع مفاوضات سلام بقناعة أكثر من وزير الخارجيّة الحالي... ولكنّ بريطانيا مدعوّة أيضا إلى أن تمتثل لالتزاماتها باتفاقيات جنيف الرّابعة، إذا ثبت ذلك. وهذا ما أكّده القاضي ريشارد غولدستون في تقريره حول غزّة الذي صادق عليه مجلس حقوق الإنسان للأمم المتّحدة و أقرّته الجمعيّة العامّة. وبالتّالي، كان يُمكن لإسرائيل أن تتجنّب الحاجة لهذا النّقاش لو أنّها قامت بتحقيقات مستقلّة حول عمليّاتها في غزّة".
وفي ردّ بليغ لدانيال ماشوفر، رئيس مجموعة محامين للدّفاع عن حقوق الفلسطينيين، قال بأنّ المتوقّع من وزير الخارجيّة البريطانيّة، إن كان مقتنعا بقوانين هذا البلد، أن يتّصل هاتفيا بليفني ويقول لها بأنّه: "من الخطإ أن أعتذر عن قرار اتّخذَتْه واحدة من الهيئات المستقلّة للعدالة في البلد... وأنّه عليّ أن أوضّح أن نظام العدالة البريطانيّ له تقاليد راسخة في الإنصاف... وحتّى الآن ليس هناك، هنا، من ذهب إلى القول بأنّكِ مجرمة ... ولكنّ هناك حُكما قضائيّا استند لاحتمال راجح بأن تكوني قد ارتكتبتِ خرقا شنيعا لمعاهدة جنيف الرّابعة ممّا يُعدّ جريمة حسب اتفاقيات جنيف لسنة 1957.... ولكنّ وزراء بريطانيا ليس من حقّهم أن يتدخّلوا في مثل هذه القرارات الفرديّة التي اتّخذتها العدالة... وعليه، فأنا من موقعي كوزير للخارجيّة، مثلي مثل غيري من أعضاء الحكومة، لا أستطيع أن أتنبّأ بقرار القاضي أو أتدخّل فيه.
ولكنّي أقول لكِ بأنّ أحدا لا يستطيع أن يُصدر في حقّْك حكما بدون قرار من النّائب العامّ. ونحن حريصون كلّ الحرص على قيام النّائب العامّ بدوره القانونيّ الذّي عليه أولا أن يحصل على رأي استشاريّ من رئيس هيئة الإدّعاء المستقلّة، الذي يجب أن يتأكّد من توفّر شرط الأدلّة، بمعنى أنّ هناك احتمالا بنسبة 50 في المئة لتقتنع هيئة المحلّفين بأنّ المتّهم قد ارتكب الجرم بدون أدنى شكّ. وإذا تأكّد هذا الشرط، فإنّ استقلاليّة العدالة عن الجهاز التنفيذي وحقّ الضحيّة في الوصول إلى حكم عادل سيُقوَّض إذا ما قرّر النّائب العامّ إسقاط الدّعوة بحجّة المصلحة العامّة لفائدة شخص لا يحظي بالحصانة الدبلوماسيّة."
وكشفت الصحافيّة أفوا هيرش بالغارديان أنّ نقاشا بدأ في أروقة الحكومة للبحث عن "ضمانات" لصالح القادة الأجانب الزائرين لبريطانيا المتّهمين بارتكاب جرائم.
وإذ يقترح شارل فالكونر، أحد رجال القانون المقرّبين من أروقة الحكومة، أن تتّسع صلاحيات مدير الإدعاء العام أو النّائب العام من الموافقة على الإدّعاء لتشمل أيضا الموافقة على إصدار مذكّرة الإعتقال، باعتباره حلّا سهلا لمثل إشكاليّة ليفني، فإنّ جريدة الغارديان ترى أنّ ذلك إن حدث: "ستكون له عواقب خطيرة على نزاهة نظامنا القانونيّ". في حين أنّ أقصى ما يمكن أن يُحدثة النظام الحالي هو بعض الحرج السياسي أو الدبلوماسي ولكنّه أثبت فعاليته العمليّة.
ويرى رجال القانون أن مبادرة أعضاء في الحكومة البريطانيّة لتغيير تلك القواعد، النّابعة من التقاليد الدّيمقراطيّة المتأصّلة في البلد، يسيء لتلك السّمعة المشرقة وسيكون مؤشّرا على التنصّل الصريح من تعهّداتها الدوليّة. كما سيعطي الإشارة بأنّ أراضي المملكة المتّحدة ستكون ملجأ آمنا للمشتبه فيهم بممارسة التعذيب أو ارتكاب جرائم حرب، خاصّة لفائدة من ينتسبون لتلك الدّول التي تعتبرها بريطانيا دولا حليفة.
ومن أغرب الصّدف أنّ مثل تلك المواقف الصّادرة عن الطبقة السياسية السّائدة في بريطانيا يأتي بعد أسبوع واحد من تصديق وزراء الإتّحاد الأوروبيّ للخارجيّة، بمن فيهم دافيد ميليباند، على وثيقة التزموا بموجبها على ترقية الإمتثال لمقتضيات القانون الدّوليّ لحقوق الإنسان،وعلى أن: "يواصلوا العمل بكلّ ما في وسعهم لترقية نظام دوليّ لا تكون فيه دولة أو فرد فوق القانون ولا أحد خارج حماية القانون".
أمل الضحايا الأبرياء في غزّة والعراق وأفغانستان يبقى معلقّا برعيل رجال العدل والإنصاف الذين لن يَعدموا عبر العالم. وما ضاع حقّ وراءه طالب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.