من يضبط السوق في الجزائر؟ لا أحد يعرف، كلام الوزراء يبدو منطقيا من الناحية النظرية، لكن الجنون الذي يسيطر على الأسواق يطيح بهذا المنطق ويجعل الخطاب الرسمي مجرد هراء. قبل شهرين من الآن زار وفد من البنك العالمي الجزائر، وكان هدف الزيارة إعداد تقرير عن الوضع الاقتصادي، وقد استمع أعضاء الوفد إلى مداخلة أحد الرسميين الجزائريين التي كانت عبارة عن خطبة عصماء تم من خلالها سرد كل "الأرقام" السحرية التي تدلل بها الحكومة على نجاحها الاقتصادي الباهر، وكان من بين ما قاله المتدخل هو أن نسبة النمو الأهم خارج قطاع المحروقات سجلت في قطاع الزراعة، وكان رد أحد أعضاء وفد البنك العالمي هو سؤال بسيط " هذا أمر جيد لكن ما هو السبب في ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بشكل مستمر ؟"، السؤال يرتكز على قاعدة معروفة هي قانون العرض والطلب وتأثيره على الأسعار، وما يجري في الجزائر الآن لا يمكن تفسيره وفق هذا القانون، بل إنه غير قابل للتفسير على الإطلاق. التجار يتصرفون بمنطق مفهوم، فهم يطالعون الصحف، ويتعاملون مع وعود الحكومة بالزيادة في الأجور على أنها حقيقة، ودون إبطاء يعمدون إلى "تصحيح" الأسعار وفق الزيادات الموعود بها، وإلى أن تفي الحكومة بوعودها تكون الأجور بلا معنى، وتصبح الزيادة الوحيدة المحسوسة هي زيادة التضخم التي ستضر الاقتصاد ولا تنفعه. آخر نكتة سمعناها تقول إن أنفلونزا الخنازير سبب في ارتفاع أسعار البرتقال التي تستقر فوق 120 دينار للكيلوغرام، وهذه النكتة هي جزء من محاولات تبرير فشل مزمن في تنظيم السوق، فالفوضى هي القانون السائد، والفكرة التي اهتدت إليها الحكومة بتحديد هامش ربح التجار من أجل مزيد من التحكم في الأسعار لن تطبق إلا عندما نصبح في حاجة إلى قرارات أهم، وفي كل الأحوال سيحتفظ التجار بأفضليتهم على الحكومة في سباق لن ينتهي إلا بانفجار اجتماعي لا يبقي ولا يذر.