بلغ الإضراب الوطني المفتوح الذي يخوضه ممارسو الصحة العمومية شهره الثالث، وحتى الآن ليست هناك مؤشرات حقيقية توحي أن نهاية هذا الإضراب قريبة، بالنظر إلى التباعد الموجود بين ما يطالب به ممارسو الصحة المضربون، وسقف الاستجابة المحدود جدا، الذي أظهرته السلطات العمومية حتى الآن، وبين هذا وذاك مازال المريض يعاني، ومعه أهله، الذين هم في قمة التأسف والتذمر، ولم يجدوا مخرجا، لما هم فيه، أمام شح مداخيلهم الشهرية، التي لا تكفيهم للتوجه نحو القطاع الخاص، وطرح البدائل الممكنة. عكس ما كان ينتظره المرضى والمواطنون الجزائريون، في إنهاء الإضراب الجاري، منذ ما يقارب الشهرين ونصف، تعمقت الهوة بين ممارسي الصحة العمومية المضربين، والسلطات العمومية، وتعقدت المسألة أمام وزير الصحة، الذي أصبح الجميع مقتنعا أنه لا يملك مفاتيح حلول المطالب والمشاكل المعبر عنها، ولعل ما عقّد الوضع أكثر هو سياسة التحدي، التي أظهرتها الحكومة، وعدم الاستماع بعين المنطق لما تطالب به هذه الأسلاك، وهو كله وفي مجمله يتمحور حول رفع الأجر، وضمان الترقية المهنية، وفق ميكانيزمات واضحة وشفافة، وتحسين ظروف المهنة بما فيها من جوانب مهنية واجتماعية، ولعل أبرز مظاهر التحديّ الذي أظهرته الحكومة هو ما بدر عنها يوم الأربعاء المقبل، حين تم تسخير قوات الشرطة، وتوظيفها في عدم السماح لممارسي الصحة المضربين بتنظيم المسيرة المقررة، وقد أُهين فيها الأطباء العامون، والأخصائيون، والصيادلة، وجراحو الأسنان أيّما إهانة، في الوقت الذي كانت تعتقد فيه هذه الأسلاك الطبية أنها على قدر كبير من التربية والتعليم، وأنها لا تسمح لنفسها بالتهوّر، لا في حقها، ولا في حق غيرها، وبما فيها السلطات العمومية. زد على هذا التصريح الأخير الذي تفضل به الوزير الأول أحمد أويحي، عقب تسلّمه رئاسة التحالف الرئاسي، والذي قال فيه أن « المضربين تُحركهم أطراف سياسية، خسرت معاركها في الساحة السياسية، وتريد تحويلها إلى الساحة النقابية»، وهذا التصريح مثلما رأينا أوجد ردود فعل كبيرة من الغضب والاستياء داخل كافة الأوساط الطبية، عبّر عنها باسمهم جميعا، الدكتور محمد يوسفي، رئيس النقابة الوطنية لأخصائيي الصحة العمومية، والدكتور الياس مرابط ، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، في الندوة الصحفية ، التي نشّطاها يوم السبت الماضي، وقد ندّدا فيها بما صدر عن الوزير الأول، واعتبروا ما جاء في تصريحه هذا إهانة كبيرة في حقهم، وزادهم مثلما صرحوا بذلك إصرارا على مواصلة الإضراب، والمضي فيما هم يطالبون به. ولا نُقدم جديدا إذا قلنا أن هذا الموقف الحكومي، القائم على عدم التفهم الصحيح والسليم للواقع ، وعلى استبعاد قنوات الحوار والاستماع القانونية المطلوبة، هو الذي شوّش كثيرا على جلسات العمل التي أدارتها وتديرها وزارة الصحة، وأخلط أوراق الحوار والتفاوض، التي كانت بأيديها، وفي مقدمتها الأوراق المتعلقة على وجه الخصوص بالقانون الخاص، الذي يُطالبُ اليوم بمراجعته بعد صدوره، ونظام المنح والتعويضات، الذي يبدو حتى الآن أن الوزارة الأولى لا تريد معالجته معالجة سليمة، وهذا الحال، الذي هي عليه رئاسة الحكومة هو الذي أعطى الانطباع القائل أن وزارة الصحة ليس لها مثلما يقال« لا في العير ولا في النفير»، وهي الآن مسلوبة من كل أوراق الحوار والتفاوض، وليس لها ما يمكن لها أن تمنحه لممارسي الصحة المضربين، اللهم إلا إذا فُوّضت بذلك ومنحت لها الضمانات الكافية، وهذا الانطباع هو السائد وسط هذه العائلات الصحية، وهو الذي جعلهم يغلقون باب الحوار مع وزارة الصحة، ويرفضون الاستجابة للدعوة التي وُجّهت إليهم للمشاركة في الاجتماع الذي نظمته هذه الأخيرة يوم السبت الماضي، الذي خصصته لإنشاء اللجنة الوزارية المشتركة، الخاصة بنظام المنح والتعويضات، وهي اللجنة التي حرص المضربون حرصا شديدا على المطالبة بتشكيلها منذ بداية الإضراب. ورفضهم لحضور هذا الاجتماع مبني على أن مرحلة الحوار قد تمت، وانتهوا منها، وبمجرد دخولهم في الإضراب، فإنه كان على وزارة الصحة والسلطات العمومية الأخرى المعنية أن تدعوهم إلى جلسات تفاوض ومصالحة، وفق ما تنص عليه قوانين الجمهورية، لا إلى جلسات الحوار من جديد، وهي قانونيا جلسات البدء، وتخصص للاستماع، والأخذ والرد، قبل احتدام الموقف بين الطرفين. ومثلما هو مقرر ، ولممارسة المزيد من الضغط على السلطات العمومية، ودفعها لتحقيق المطالب المرفوعة، سوف ينظم المضربون تجمعا حاشدا الأربعاء المقبل، أمام مقر وزارة الصحة، ويتزامن هذا التجمع مع تجمع آخر ينظمه الأخصائيون النفسانيون بنفس المكان، وتقريبا لنفس المطالب.