ماذا يحمل 19 مارس الجاري لمناضلي حزب جبهة التحرير الوطني، وهم على موعد لعقد مؤتمرهم التاسع في هذا اليوم الذي يرمز إلى انتصار جبهة التحرير الوطني على أعتى قوة استعمارية آنذاك وهي فرنسا؟ هل سيكون في هذا اليوم انتصار آخر يضاف إلى سلسلة الانتصارات التي حققتها جبهة التحرير الوطني طوال مسيرتها التاريخية؟ طبعا الإجابة القطعية قد تكون سابقة لأوانها، لكن الأكيد أن هناك جملة من التحديات والرهانات مطروحة على المناضلين في مؤتمرهم هذا، تستدعي منهم دراستها بجدية وبمسؤولية كبيرة، ولعل أهمها: أولا: الحاجة الماسة إلى تحديث الحزب، وهي عملية باتت تشكل هاجس كل المناضلين، الأمر الذي يستدعي منهم إعطاءها الأولوية وما تستحق من اهتمام وعناية في هذا المؤتمر، بهدف تحريك سواكن الحزب وتجميع عوامل القوة الكامنة فيه، وذلك لن يأتي إلا من خلال إعادة النظر في الأساليب التنظيمية والنظامية لهياكل الحزب وهيئاته بما يتماشى والتحديات الراهنة ومتطلبات العصر• صحيح أن القيادة الحالية للحزب قد قامت خلال الخمس سنوات الماضية بخطوات معتبرة لإزالة ما أصاب الهياكل النظامية من تآكل وتحلل وجمود بفعل الأزمة الخانقة التي مرّ بها الحزب، والتي كادت أن تعصف به، ولكن الأصح أيضا أن هذه الهياكل لاتزال تعاني من الخمول وعدم الفعالية، فهي ليست في مستوى الرهانات المطروحة والتحديات التي ستواجه الحزب في المستقبل المنظور• ثانيا: توسيع وتعزيز الوعاء البشري للحزب، باستقطاب عناصر شابة ذات كفاءة وحيوية ومن مختلف الشرائح الاجتماعية، ذلك أن قوة أي حزب، وإن كانت تكمن بالأساس في فعالية مناضليه، إلا أن الوزن البشري له أهميته الكبرى أيضا في الدفع بالحزب إلى الريادة، وبالنظر إلى عمق الجبهة الاجتماعي وما تحمله من قيم وفكر ومبادئ، فإن الكثير من الجزائريين والجزائريات المتعلقين بمبادئ العدالة والحرية والتضامن والتكافل الذين يغمرهم الأمل في مستقبل أفضل لمجتمعهم ووطنهم، يرغبون في النضال تحت لواء حزب جبهة التحرير الوطني، ولكن ينتظرون من الحزب فتح الأبواب واسعة وتغيير أساليب النضال لاستقطاب هؤلاء الذين سيتعزز بهم الرصيد البشري للحزب الذي سيكون القوة المحركة لدواليب الجبهة وبقائها القوة السياسية الرائدة في البلاد• ثالثا: تجديد مشروع المجتمع بكل أبعاده الروحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في ظل الانفتاح المتوازن والمنسجم الذي لا يتنكر لقيم المجتمع وتراث الماضي، ولا يغترب في لعبة العصرنة والتحديث، فحزب جبهة التحرير الوطني اليوم كقوة سياسية رائدة في البلاد مطالب بالنظر إلى التحديات والرهانات الكبيرة التي يواجهها المجتمع، بوضع برنامج شامل وطموح يستجيب لتطلعات الشعب ويحقق للوطن الاستقرار والتطور• رابعا: الإعداد الجيد للاستحقاقات السياسية القادمة، لاسيما وأن الحزب مقبل على انتخابات تشريعية ومحلية بعد سنتين من الآن، وهي استحقاقات لا ينتصر فيها الحزب إلا بالجدية في التحضير والدقة في التقدير، ومن ثمة فهو مدعو إلى أن يتهيأ لهذه المواعيد الانتخابية لكي يكون في مستوى آمال مناضليه وطموحات شرائح واسعة من الشعب، وهذا يعني في المقام الأول استنفارا كاملا للطاقات الكامنة في الحزب• من هذا المنطلق كله، فإن المؤتمر التاسع يعد محطة مفصلية في مسار حزب جبهة التحرير الوطني، ونجاحه يتوقف بالدرجة الأولى على إشاعة قدر كبير من الشفافية والحرية والديمقراطية عند تناول مختلف هذه القضايا وغيرها، المطروحة على أشغاله لمدة ثلاثة أيام بالكمال والتمام، بعيدا عن المصالح الشخصية والولاءات لهذه الزعامة أو تلك، وبذلك فقط يحقق المناضلون النجاح لمؤتمرهم هذا، الذي يحمل في طياته رمزا خالدا وأملا كبيرا•