من أعجب ما تسمع هذه الأيام أن كثيرا من الناس يرددون فتاوى هنا وهناك بتحريم بثّ مسلسل »يوسف الصديق« على مختلف القنوات الفضائية بل ومنها ما حرّم حتى مشاهدة الحلقات، ولكن مع ذلك فإن هؤلاء يتابعون بشغف هذه الدراما الدينية التاريخية وبكل الإعجاب والإشادة. ولعل أبرز مستجدات الموضوع أن مجمع البحوث الإسلامية، وهو أعلى هيئة في مؤسسة الأزهر، طالب بوقف بث المسلسل الإيراني على إحدى القنوات المصرية لتجسيدها للنبي يوسف بما يتعارض مع فتاوى سابقة للمجمع تحظر تجسيد الأنبياء والصحابة وآل البيت. والحقيقة أن مجمع البحوث الإسلامية جدد فقط رفضه ظهور الأنبياء خاصة كما رفض إذاعة المسلسل ومنعه في أي فضائية تطبيقا لقرارات سابقة للمجمع تحظر ظهور الأنبياء في الدراما. يبدو هذا الجدل مثيرا من زاوية أنه يجيء دائما من المؤسسة الدينية السُنية، ليس هذا فحسب بل يعيد نفس بيان الفتوى الأول رغم مرور أكثر من 80 عاما عن الفتوى الأولى، إذ يعود الأمر إلى قواعد وضعها الأزهر في مسألة ظهور الأنبياء والصحابة منذ عام 1926وكان ذلك عندما شرع الفنان الراحل يوسف وهبي في تصوير فيلم النبي صلى الله عليه وسلم، ومنذ ذلك الحين أصدر الأزهر مرسوماً يمنع ليس فقط تجسيد صور الأنبياء ولكن الصحابة والمبشرين بالجنة، واستمر هذا المنع حتى عرض العقاد سيناريو فيلم الرسالة على الأزهر فرفضه أيضا. لا أحد يجحد جهود وتميز الإنتاج الدرامي الإيراني والرسالة القوية التي يقدمها للمشاهد وفي أقوى مستوى من الناحية التقنية والفنية، ولكن المسألة التي تدعو إلى التساؤل: لماذا لا يعاد النظر في القواعد التي حددت الفتوى بما يضع ضوابط واضحة مادام أن بعض المذاهب الفقهية الإسلامية تجيز تشخيص الأنبياء سواء ما استمدت سيرتهم من العهد القديم أو العهد الجديد أو ما ذكروا من التراث الإسلامي. ليس في الأمر ما يخيف في مسلسل يوزرسيف، وغيره من المسلسلات إذا ما وضعت ضمن رؤية مغايرة واجتهاد في القياس، مع التسليم باختلاف المذاهب مما يوجب وضع ضوابط عقائدية وتاريخية لمثل هذه الأعمال وليس الإفتاء بالتحريم وفقط.! أما بعد: الاجتهاد الأعظم هو المواءمة بين الضوابط الفنية والتاريخية مع الضوابط العقائدية في العمل الدرامي وأما التحريم بالمطلق فليس أسهل منه..!