تباينت مُداخلات نواب المجلس الشعبي الوطني أمس خلال مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة، ففي وقت اعتبرت فيه الغالبية منهم أن المكاسب التي حقّقتها الجزائر في السنوات الأخيرة »لا يُمكن أن يُنكرها إلا جاحد« خاصة على الصعيدين الأمني والاقتصادي، فإن عددا كبيرا من المتدخّلين فصّلوا في الكثير من الملفات الحسّاسة منها الفساد وقضية بيع »جيزي« إضافة إلى المُطالبة بإعادة فتح ملف قانون تجريم الاستعمار. الاختلاف الحاصل لدى نواب المجلس الشعبي الوطني في تقييم حصيلة عمل الحكومة منذ شهر جانفي 2009، فرضته الانتماءات السياسية، لكن ذلك لم يمنع حتى البرلمانيين المحسوبين عن أحزاب التحالف الرئاسي من توجيه بعض الانتقادات إلى حصيلة الوزير الأوّل خاصة في شقّها المتعلّق بالخيارات الاقتصادية وسياسة الإنفاق العمومي والاختلال الواضح في ميزان المدفوعات وكذا استمرار ارتباط الاقتصاد الوطني بالمداخيل النفطية بشكل عام وما قابله من ارتفاع غير مسبوق في معدّلات التضخّم. ومن بين المسائل لتي شغلت نواب الغرفة البرلمانية السفلى قضية مشروع تجريم الاستعمار، وهو ما أثارته النائبة صليحة جفال عن حزب جبهة التحرير الوطني التي قالت في مداخلتها أمس إنه »بعد مرور عشر سنوات أصبح من الضروري تفعيل المادة 64 من قانون المجاهد والشهيد..«، وهي المادة التي تنصّ على ضرورة إنشاء »المجلس الأعلى لذاكرة الأمة«، حيث أشارت المتحدّثة إلى أنه من شأن هذه الهيئة »تولي مُهمّة مناقشة مشروع قانون تجريم الاستعمار وكذا الردّ على كل من يُمجّدون الاستعمار«. أما في الشق المتعلّق بالخيارات الاقتصادية فبدا واضحا أن النواب مُتخوّفون من تزايد فضائح الفساد خصوصا أمام الغلاف المالي المُعتبر الذي أفردته الحكومة للبرنامج الخماسي الحالي المقدّر ب 286 مليار دولار، ولذلك فإن النائب لحسن عرّاس عن كتلة الأفلان حذّر من استمرار تصاعد نسبة التضخّم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها العام الماضي بمعدّل 5.4 بالمائة، وتوقّع أن تكون لذلك عواقب خطيرة على المجتمع أمام ما أسماه »تدهور القدرة الشرائية للمواطن وتراجع مداخيل المحروقات«، وعليه طالب المتحدّث من الجهاز التنفيذي »اعتماد صرامة أكثر في تسيير ومُراقبة المال العام«. وفي وقت تساءل فيه النائب حفيظ بومحروق من الأرندي عن مصير الإستراتيجية الصناعية، فإن النائب نعمان لعور عن كتلة حمس انتقد ما أسماه »سياسة احتكار السوق« عندما طالب بضرورة وضع ضوابط جديدة لتنظيم السوق الوطنية لمنع هذا الاحتكار، وشدّد على هذا المستوى بعدم السماح لأية مؤسسة بالسيطرة على حصة تفوق 30 بالمائة في إشارة ضمنية منه إلى شركات صناعة الزيوت الغذائية، فيما استفسر النائب لحسن بن غالم من التجمع الوطني الديمقراطي عن تفاصيل مفاوضات الحكومة من أجل شراء »جيزي«، لافتا إلى أنه »يجب الاستفادة من الأخطاء والتجارب السابقة«. وعموما فإن مداخلات أمس كانت غالبيتها من نواب أحزاب التحالف الرئاسي، وعليه كان من الطبيعي أن تتضمن إشارات إلى جهود الدولة من أجل التحكم في الإنفاق العمومي وترشيده، حيث أكد النواب أن مسألة الحفاظ على الاستقرار المالي للبلاد تُعتبر من بين أكبر التحدّيات التي تنتظر الحكومة في المرحلة المُقبلة، وطالب المتدخّلون بموجب ذلك بضرورة »أخذ العبرة من الهزات المالية العنيفة التي ضربت الاقتصاد العالمي و التي انعكست سلبا على الاقتصاد الوطني«. وزيادة على إثارة قضايا التسرّب المدرسي وندرة السيولة المالية في البنوك والمراكز البريدية خاصة في المناسبات، فإن تدخلات النواب لم تُهمل مسائل أخرى لا تقل حيوية من بينها طرح تساؤلات بشأن آجال إنهاء أشغال »الميترو« و»التراموي« حتى يتمكن المواطن من الاستفادة منها، كما دعا النواب إلى إنشاء مشاريع جديدة لدعم قطاع النقل الجماعي حيث اقترح أحدهم ترقية النقل البحري بين المدن الساحلية.