دافع الدكتور مسعود شيهوب نائب رئيس الغرفة البرلمانية السفلة، المكلف بالتشريع في هذا الحوار الذي خص به »صوت الأحرار« عن حصيلة البرلمان في العهدة التشريعية الحالية، وردّ على الآراء التي تنتقد محدودية مبادرات النواب في الجانب التشريعي، بالقول إن مقترحات النواب في فرنسا لا تتجاوز 1 بالمائة مقارنة بما تحيله الحكومة من مشاريع قوانين، على صعيد آخر أكد المتحدث أن الترسانة التشريعية التي بادرت بها الحكومة في السنوات الأخيرة في مجال مكافحة الرشوة والفساد، تعد ضمانة كافية لردع محاولات العبث بالمال العام إذا توفرت الصرامة في تطبيق القوانين،مشددا في المقابل على أن مكافحة الفساد هي معركة الجميع من أحزاب ومجتمع مدني ومواطنين وليست معركة القضاء والأجهزة الأمنية لوحدهما. *كثيرا ما كان البرلمان عرضة للانتقادات التي ترى أنه المجلس الشعبي الوطني خاصة في العهدة الحالية تنازل عن وظيفته التشريعية وتحول إلى مجرد صندوق لمشاريع القوانين التي تحيلها عليه الحكومة، ينظر فيها ويصادق عليها، دون أن يبادر بالتشريع من خلال مقترحات قوانين، ما ردكم على هذا الطرح وهذه الانتقادات؟ ** أوضح هنا أن للبرلمان ثلاث مهام أو وظائف أساسية، منها المهمة التشريعية، ولا يقتصر دوره على التشريع، بل يقوم بمهمة الرقابة على عمل الحكومة إلى جانب وظيفة الدبلوماسية البرلمانية. وبالنسبة للوظيفة التشريعية، فإن البرلمان وخاصة الغرفة السفلى تتكون مهمته التشريعية من شقين، أولا: أنه يناقش ويصادق على مشاريع القوانين التي تعدّها الحكومة وتحيلها عليه، وفي هذا الشق يمكن الجزم بأن البرلمان قام بمهامه كاملة، فليس في أجندة المجلس الشعبي الوطني ما تم تحويله من الحكومة ومن ثم إلى اللجان المختصة من مشاريع، ولم يتم المصادقة عليه، كل ما أحيل علينا تمت المصادقة عليه، وليس لدينا بلغة خبراء المالية أية ديون. أما بالنسبة للشق الثاني في الوظيفة التشريعية للمجلس الشعبي الوطني والمتعلق بالمبادرة بالقوانين، فيظهر أن نشاط البرلمان في هذا الجانب متواضعا وليس بالقدر المطلوب، ونحن نتمنى كنواب أن تكون المبادرات أكثر، ولكن يجب أن نوضح أمرا مهما، وهو أنه في كل برلمانات العالم وحتى في الدول التي تعرف بأنها من دول الديمقراطيات العريقة، فإن النسبة الأكبر من القوانين المصوت عليها هي تلك التي تأتي من الحكومة بينما مبادرات النواب تكون معدودة. *لكن وبصفتكم مكلفا بالتشريع في مكتب المجلس الشعبي الوطني، ما هي الأسباب التي تحدّ من مبادرات النواب في الجانب التشريعي لتقديم مقترحات قوانين وتجعلهم يكتفون في أغلب الأحيان باثراء ومناقشة مبادرات الحكومة؟ ** يمكن تفسير الأمر بعدة أسباب، أولا أن الحكومة تملك التقنيات والمعطيات والمعلومات والخبرة اللازمة لإعداد مشاريع القوانين، بينما النواب لا يملكون هذه الإمكانيات، وهو ما يفسر في أغلب البرلمانات العدد المحدود لمبادرات النواب بالقوانين والاعتماد الكلي في التشريع على الحكومة لأنها فضلا عن حيازتها للإمكانيات الآنفة الذكر فإنها مدعوة لإعداد قوانين تنفذ بها برنامج وعمل الحكومة الذي هو في نظامنا برنامج رئيس الجمهورية، ولهذه المعطيات فإن الكفة تميل في الغالب لصالح الحكومة فيما تعده من قوانين، بينما البرلمان يكتفي بالدراسة والصادقة على ما تحيله عليه الحكومة من مشاريع، وإذا أردت مقارنات مع دول أخرى، فيمكن أخذ فرنسا كمثال، فالإحصائيات تشير إلى أن مبادرات النواب الفرنسيين في مجال التشريع لا تتعدى 1 بالمائة مقارنة بما تبادر به الحكومة. * لكن اللوم بشأن قلة المبادرات التشريعية من جانب النواب يطالكم أكثر من غيركم أنتم نواب حزب جبهة التحرير الوطني، باعتباركم تحوزون أغلبية المقاعد كما تحوزون رئاسة الغرفة البرلمانية السفلى؟ **أشير هنا إلى وجود آليات بالنسبة لاقتراح القوانين، أولا مقترح القانون يجب أن يقدمه 20 نائبا ليعرض على مكتب المجلس، وهذا الأخير في الغالب ينظر في الشروط الشكلية للمقترح، ، إذا توفرت هذه الشروط، يحيله على الحكومة، التي تعطي بدورها رأيها في المقترح ليحال بعدها إلى اللجنة المختصة، حقيقة أحيلت بعض المبادرات إلى مكتب المجلس، وتم الفصل فيها في وقتها منها ما أحيل إلى الحكومة ومنها ما أجله المجلس لبرمجته في الوقت المناسب. هذا عن الوظيفة التشريعية للبرلمان، أما فيما يتعلق بالرقابة على عمل الحكومة كمهمة أساسية من مهام البرلمان، فإن مكتب المجلس يبرمج كل أسبوعين جلسة للأسئلة الشفوية، وهذا نوع من الرقابة على عمل الحكومة، كما بادر أعضاء البرلمان إلى جانب الأسئلة التي يوجهونه دوريا إلى الطاقم الحكومي حول طريقة التسيير وبخصوص أهم القضايا المطروحة في الساحة الوطنية، بزيارات ميدانية، حيث تنقلت لجان برلمانية إلى الولايات وعاينت بعض المشاكل هناك، وهذا بدوه يدرج في مجال الرقابة على الحكومة، كما يقوم حاليا نواب البرلمان بمناقشة بيان السياسة العامة الذي عرضه عليهم الوزير الأول، وهو ما يندرج أيضا في إطار الرقابة البرلمانية على الحكومة، وينتظر خلال الأيام المقبلة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2011، وهو قانون غير عادي فهو يحمل في طياته نوعا من الرقابة على عمل الحكومة لأنه يتضمن تمويل مشاريع الحكومة خلال سنة كاملة كما ينظر في كيفية صرف هذه الأموال وكيفية ضبطها، أي أن مناقشة النواب لما يتضمنه مشروع قانون المالية الذي سيكون مرفوقا هذه السنة بقانون ضبط الميزانية هو نوع آخر من العمل الرقابي. أما الجزء الثالث في عمل البرلمان فهو الدبلوماسية البرلمانية، وفي هذا المجال فإن النشاط كان غزيرا، فوفود النواب ما انفكت أسبوعيا تتنقل إلى مختلف عواصم العالم كما أننا نستقبل دوريا وفودا برلمانية، آخرها كان الوفد البرلماني الإماراتي قبل أيام، ونحن نحرص خلال هذه الأنشطة على عرض وجهة نظر البرلمان الجزائري من مختلف القضايا المطروحة على الساحة الإقليمية والدولية. * نحن نقترب من نهاية العهدة التشريعية السادسة، إن سألناكم تقييم أداء المجلس الشعبي الوطني، ماذا تقولون؟ ** لا يوجد حكم مطلق عند تقييم أداء البرلمان خلال العهدة الحالية، فكل شيء نسبي، فإن قلنا، العهدة حققت ما كنا نصبو إليه، هذا قول مبالغ فيه وغير صحيح، وإن قلنا لم تحقق أي شيء هذا حكم مجحف أيضا، والحقيقة أعتقد أن البرلمان اشتغل في حدود الظروف المحيطة به وإمكانيات المرحلة التي يمرّ بها، وهي مرحلة لبناء الديمقراطية، والديمقراطية البرلمانية تتطور مع السنوات وحتى الديمقراطية الأوروبية تطورت خلال قرون وليس فقط سنوات، وإن كانت برلمانات الضفة الأخرى للمتوسط تمارس اليوم نشاطاتها بمستوى عال في الأداء، فإنه لم يتح لها ذلك إلا بعد تراكم خبرة عشريات وقرون من الزمن، وأضيف هنا نحن على الطريق ونحن بصدد التعلم وتطوير ديمقراطيتنا، ونتمنى أن نحقق في كل عهدة أشواطا جديدة في البناء الديمقراطي. * المنظومة التشريعية في الجزائر، تطورت بوتيرة متسارعة في السنوات الأخيرة، لاسيما في مجال مكافحة الفساد والرشوة، بيد أن الجزائر ما تزال تحت طائلة فضائح الفساد التي اهتز لها أكثر من قطاع، هل تعتقدون هذه الترسانة التشريعية التي بادرت بها الحكومة ضمانة كافية لردع المتلاعبين بالمال العام؟ **بالفعل، في السنوات الأخيرة سجلت بادرت الجزائر بكم تشريعي غزير، في مختلف المجالات، خاصة ما يتعلق بالتحولات التي يعيشها المجتمع في المجال الاقتصادي، وعلى المستوى المؤسساتي وعلى مستوى مكافحة الفساد، وبما أن سؤالك يتعلق بقضية مكافحة الفساد على وجه الخصوص، أشير هنا إلى أن الجزائر صادقت على اتفاقية مكافحة الفساد وكانت من أوائل البلدان التي صادقت عليها، وتنفيذا لهذه الاتفاقية سارعت إلى تكييف التشريع الوطني مع الاتفاقية وإصدار القوانين المطبقة لها، من خلال تعديل قانون لعقوبات ورفع العقوبات المقررة ضد جرائم الفساد، كما عدّلت قانون الإجراءات الجزائية من أجل أقلمته مع الاتفاقية وتوسيع سلطات وصلاحيات الضبطية القضائية وسلطات التحقيق والقضاة الذي أصبحت لهم بصلاحيات واسعة لمكافحة الفساد، كما أنشأت أجهزة وهيئات لمكافحة الفساد ورصد الرشوة، ولكن دعوني أقول، أن القانون يحتاج إلى رجال لتطبيقه، فلا تكفي صياغة القوانين، بل لابد أن تطبق هذه القوانين تطبيقا صارما، لم يبق الآن في المرحلة الحالية إلا متابعة تطبيق القوانين ميدانيا، وتطبيق القوانين مسؤولية الجميع، أولا مسؤولية الأجهزة الأمنية والقضائية المكلفة بتطبيق القوانين، كما أنها مسؤولية المحيط وأقصد هنا المواطن والمجتمع المدني والتشكيلات السياسة على حد سواء، فالكل معني بمعركة مكافحة الرشوة وتمكين الجهات المسؤولة للنجاح في مهمتها. *كنتم على رأس اللجنة الحزبية التي نصبتها قيادة الأفلان لتقديم مقترحات بشأن مراجعة وتعديل قانون البلدية، الحكومة أحالت المشروع الذي أعدّته قبل أيام إلى البرلمان، هل استجاب المشروع للانشغالات التي وقفتم عليها في القانون الساري وطالبتم بتعديلها وهل أخذ بالمقترحات التي أعدّتها اللجنة؟ **عند دراسة مشروع القانون الذي أعدّته الحكومة وخاصة في ندوة رؤساء البلديات التي نظّمها الحزب مؤخرا، لاحظنا أن المشروع استجاب لأفكار وتصورات واقتراحات حزب جبهة التحرير الوطني الذي اشتغل على هذا الملف لسنوات، تقريبا منذ سنة 2006، عند تنصيب لجنة إصلاح قانوني البلدية والولاية، فمشروع الحكومة يتضمن الكثير من مقترحات الحكومة ونحن نفخر بذلك، وهو ما يجعلنا مبدئيا نثمن مشروع القانون ونعتقد أنه جاء في الوقت المناسب فطالما طالب الأفلان بإصدار القانون، وننتظر في المقابل التعجيل بمشروع قانون الولاية الذي يكمل نظام إصلاح الإدارة المحلية، وبكل تأكيد سنعمل في البرلمان من خلال اللجنة المختصة لإضافة مقترحات أخرى للمشروع. *هل لديكم تحفظات معينة على المشروع الذي أعدته الحكومة وأحالته عليكم لمناقشته والمصادقة عليه؟ **لا يتعلق الأمر بتحفظات فما هو وارد في مشروع القانون ايجابي ونثمنه لكننا نعتقد أنه غير كاف، وأن هناك بعض الاثراءات تعكف اللجان المختصة في الحزب على إعدادها حتى تقدم لنوابنا وعلى ضوئها سيتولون إثراء مشروع القانون في اللجنة المختصة وعند عرضه للنقاش في الجلسة العامة.