رغم مأساوية الأحداث التي شهدتها مختلف مناطق الوطن الأسبوع المنصرم، إلا أن هناك مجموعة من السلوكيات الإيجابية، برزت بشكل واضح خلال الاحتجاجات العنيفة، تركت الانطباع أن دائرة العنف قي انحصار مستمر، ومن هذه السلوكات، تجند المواطنين في العديد من المناطق لحماية بعض المؤسسات والمقرات والمنشآت، واعتراضهم للمشاغبين والمخربين من تحطيمها. الأحداث العنيفة التي شملت ما لا يقل عن 20 ولاية من ولايات القطر، كشفت عن تحولات عميقة في مسار المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة، ومن أهم مظاهر هذه التحولات، رفض واسع من المواطنين للعنف والتخريب كأسلوب للاحتجاج أو التعبير عن المطالب، ويستدل المتتبعون لعديد الحالات التي تصدى فيها المواطنون للمخربين، سيما الذين استهدفوا مراكز البريد ومقرات البلديات والدوائر والمدارس، ففي حي باب الوادي العتيق، حيث عرفت الأحداث منعرجا خطيرا، قاوم بعض السكان المخربين وتمكنوا من حماية عدد لا بأس به من الممتلكات العامة والخاصة، خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة مع مصالح المواطن على غرار البلديات ومراكز البريد والعيادات، ونفس الشئ ببرج البحري شرق العاصمة، حيث تجند المواطنون حسب شهود عيان، وتكتلوا في أفواج لصد محاولات التخريب والدمار، أما في شرق البلاد فقد عرفت ولايات وأحياء بكاملها حركة شعبية مناهضة للحركة الاحتجاجية العنيفة للشباب الثائرين. ويجزم الملاحظون أنه لولا تدخل العقلاء في موقف شجاع وتضامني لكان حجم الأضرار كبيرا وكبير جدا، وهو نفس المعطى الذي شجع قوات الأمن ومصالح الشرطة على إبداء مزيد من التعقل والرزانة في التعامل مع الأحداث، والظاهر أن الفئات العمرية التي عاشت ويلات الإرهاب الدموي خلال تسعينيات القرن الماضي، كانت أكثر تعقلا ورفضا لأي محاولات من شأنها المساس بالاستقرار والأمن العام وتخريب الممتلكات والهيئات التي تضمن خدمات للمواطنين في حياتهم اليومية. ولعل هذا المعطى كان وراء تطويق الحركة الاحتجاجية والتقليل من حجم الخسائر في مجتمع مشهود له بثورانه وردة فعله غير المحسوبة في غالب الأحيان. غير أن ارتفاع درجة الوعي لدى المواطن وتحليه بالحس المدني، مثلما أبرزته الأحداث، كشف حجم الضرر الذي بعيشه الشارع جراء غياب جمعيات المجتمع المدني وعدم فاعليتها، فأرقام وزارة الداخلية تتحدث عن ما لا يقل عن 80 ألف جمعية وطنية معتمدة، وعشرات الآلاف من الجمعيات المحلية وكلها تستنزف ملايير الدينارات من الخزينة العمومية، إلا أن ماعرفته البلاد مؤخرا، كشف عن عمق أزمة ما يسمى المجتمع المدني، وجعل من هذه الجمعيات مجرد أوراق تستخدم فقط ل»التطبيل« في مواسيم الانتخابات أو لابتزاز بعض المؤسسات والحصول على امتيازات باتت الآن غير مستحقة. وفي هذا المقام لم يتوان مهتمون بالوضع من توجيه دعوات للحكومة من أجل الشروع في مخطط لتطهير الجمعيات، وأيضا فتح المجال لاعتماد جمعيات ذات مصداقية ويكون لها تأثير في الشارع العريض، بما يخولها من لعب دور الوسيط بين المجتمع والمؤسسات الممثلة له.