يرى الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى، أن الجزائر مازالت تُدير ملفات التنمية الكبرى بإدارة سياسية، عوض أن يكون ذلك مرتكزا على إدارتها اجتماعيا واقتصاديا، وهو ما عجّل بقيام الاحتجاجات الأخيرة بسبب غياب التنمية الآنية التي يُطالب بها الشباب، في حين أن معظم ما تم تسطيره من برامج تنموية في الجزائر تجلى في المنشآت القاعدية التي تُمهد لتنمية مستدامة حقيقة، وتتطلب وقتا. ُرافع الدكتور مصيطفى في هذا التصريح الذي خص به »صوت الأحرار« أمس، لاستحداث مؤسسات اقتصادية مُصغرة يتم توفير لها كل الإمكانيات، ثم يتم تمليكها لفئة من الشباب المختصين بعد دفع المستحقات المطلوبة والمرتبطة بفترة زمنية محددة، على غرار ما يتم التعامل به في السكن الاجتماعي الإيجاري، بحيث يعتقد الخبير أنه لا فائدة من رصد أموال ضخمة لما يسمى »الشبكة الاجتماعية«، والتي توفر مناصب عمل كبيرة لما بعد التشغيل تصنف في الخانة الاجتماعية، ولكن تبقى دون مردود اقتصادي فعال، حسبه. واستنادا للدكتور مصيطفى، فإن الحكومة تدير ملفات التنمية الكبرى بإدارة سياسية بحتة، عوض أن يكون ذلك قائما على الإدارة الاجتماعية الاقتصادية التي تمهد لتنمية مستديمة حقيقة، وتظهر نتائجها بسرعة، وأضاف بقوله »الجزائر تحتاج لإطلاق حكومة تكنوقراطية مُقيدة بالمبادئ الوطنية، وتحافظ على المكاسب والثوابت القائمة على مجانية التعليم..«، وتابع »لا بد أن نحسم الخيارات في أقرب الآجال لامتصاص غضب الشباب التي بات يتشكل في كل مرة بصفة متصاعدة، ويهدد بتفجر الوضع في أي لحظة«. ودافع المتحدث عن الإنجازات التي عرفتها الجزائر خاصة خلال فترة الاستقرار السياسي منذ 1999 إلى 2009، حيث شهدت إطلاق عدة مشاريع حيوية ولكن تركزت على منشآت قاعدة ناهزت قيمتها 300 مليار دولار، بالإضافة إلى أن البرنامج الخماسي الجاري يحمل قرابة 300 مليار دولار أخرى، بما يعني إنفاق عمومي يقارب 600 مليار دولار منذ 1999 لغاية 2014، وهي أرقام كبيرة ولكن نتائجها ليست أنية، بالنظر إلى أنها تقوم أساسا على الطرق، دعم القطاع الفلاحي والصناعي، بناء الجامعات والإقامات، مستشفيات، وهي هياكل لها مردودية على المدى البعيد، ولا تؤثر مباشرة في معيشة المواطن مباشرة، ولا يحس بها سوى الذي يستغلها. وبحسب الخبير مصيطفى، فإن من أهم مثبطات الشباب المحتاج لشغل والذي يقارب نسبته 25 بالمائة بما يعادل 10 مليون شاب، هو اصطدامهم بواقع تميزي في سياسة التشغيل، بحيث يشعرون أن النظام الاقتصادي والاجتماعي يمارس جزءا من الإقصاء وهو نوع من الفساد الإداري الذي يستوجب التصدي له، فضلا عن التمييز الجهوي الذي يعطي حظوظا لسكان المدن في الاستفادة من الشغل أكثر من سكان الأرياف، وحتى في الغذاء، بما يحتم مراجعة ذلك جذريا. كما توقف مصيطفى مطولا عند ما أسماه »إهدار موارد الدولة في غير مكانها«، وقال »كيف يمكن تفسير مسح ديون الفلاحين كليا، ثم يتم استيراد مليون طن من الحبوب مؤخرا، عوض تدعيم الإنتاج الوطني ووضع نظام توازني في الغذاء غير مبني على الحبوب«، وتابع بقوله » الأهداف المتوازنة والتنمية المحققة غير متكافئة«.