يرفض الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى أن يلتزم حدود التفسير الاجتماعي للانتفاضة التي تشهدها الجزائر بعد حوالي عقدين من أحداث أكتوبر ,88 مفضلا تسيلط الضوء على جانبها الاجتماعي بالغوص في خلفياتها بعيدا عن محاولة ممارسة العرافة السياسية بالاعتماد على ما يملك من معطيات كما يملكها كل مهتم متابع خبير للشأن الجزائري أكد الأستاذ بشير مصيطفى أن انتفاضة الشباب ليست دون مدلولات ذات عمق سياسي وأن علاجها لن يكون دون إصلاح سياسي جذري وعميق يصلح النظام السياسي الجزائري باعتبار أن ما حدث قطرة من الكأس وليس كل الكأس، وقال مصيطفى إن الأحداث مجرد شجرة غطت غابة كبيرة من الاختلالات والملفات المتراكمة وأن هذه الأخيرة لن تجد طريقها للتقويم والترشيد دون العبور على طريق الإصلاح السياسي لإعادة بناء الثقة بين الشعب من جهة، والسلطة من جهة أخرى. وفي هذا السياق قال مصيطفى إن التحلي بالإرادة السياسية للإصلاح تبقى أوجب الواجبات وأولى الأولويات، لينتقل في هذا السياق الدكتور مصيطفى إلى الحديث عن ضرورة إعادة الاعتبار للعملية السياسية والديمقراطية في الجزائر، معتبرا أن ذلك كفيل برد الاعتبار لمفهوم التوازن المفقود بين السلطات لأسباب كثيرة منها تنازل الطبقة السياسية وممثلي الشعب عن دورهم في إحداث التوازن وخاصة ممثلي الشعب الذين استقالوا وتنازلوا عن مهمتهم في الرقابة والنيابة عن الشعب، مشيرا إلى أن نواب الشعب لو أنهم أدوا ما عليهم عند مناقشة قانون المالية لما سمحوا بتمرير الإجراءات التي كانت سببا في إشعال نار الأسعار في الجزائر. ليواصل مصيطفى مشيرا إلى الآليات الأخرى التي تعد من المعلوم من الإصلاح السياسي بالضرورة على غرار إصلاح قانون الانتخابات بما يضمن المشاركة الشعبية الفعالة في مراقبة العملية الانتخابية وكذا تحرير سوق اعتماد الأحزاب والجمعيات حتى يتسنى للمجتمع تنظيم نفسه في شكل حضاري بإمكانه التعبير عن انشغالات الشعب بعيدا عن لغة الحرق والتخريب والنهب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. وفي معرض حديثه عن الإصلاح وآلياته قال مصيطفى إن المجتمع الجزائري في حاجة الى قانون يكافح الفساد باعتبار أن قانون مكافحة الرشو لم يعد كافيا. مصيطفى: الفرص التي تتوفر عليها الجزائر قد لا تتكرر المطلوب حكومة تكنوقراطيين تحت قبعة سياسية وبإيديولوجيا وطنية اجتماعية دعا بشير مصيطفى إلى تغيير حكومي جذري مؤكدا أن الجزائر في حاجة إلى حكومة ميدان تتشكل من تقنوقراطيين يعملون تحت قبعة سياسية بميثاق شرف يستمد بنوده من سياسة اقتصادية ذات إيديولوجيا وطنية اجتماعية تعمل على التأسيس للتوازن بين اقتصاد السوق واقتصاد الدولة من خلال الحيلولة دون استغوال اقتصاد السوق واستحكام قبضة الاحتكار والمحتكرين وتغييب اقتصاد الدولة باتجاه الشرائح الاجتماعية والإقلاع عن سياسة صرف المال العام في البنى التحتية إلى حين إصلاح الاختلال الحاصل بين موارد الدولة وبين الهشاشة الاجتماعية، وذلك بتشجيع الاستثمار الصناعي والتصنيع وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الكفيلة بامتصاص البطالة والابتعاد عن سياسة التسويق للمؤشرات الخضراء للاقتصاد الكلي والسكوت عن المؤشرات الحمراء للاقتصاد الجزئي. قبل أن يتساءل مصيطفى في سياق انتقاده السياسة الاقتصادية في الجزائر: لماذا لا تنتج الحكومة السكر والزيت رغم أنها كانت منتجة لها قبل عقود من الزمن وبإمكانيات محدودة للغاية، مشيرا إلى سياسة الاعتماد على الريع دون إنتاج الثورة من شأنه أن يهدد مستقبل الاقتصاد في الجزائر ويزيد من تكريس تبعيته للخارج. وقال مصيطفى إن الفرصة التي تتمتع بها الجزائر قد لن تتكرر في المستقبل مما يدعو إلى ضرورة ترشيد الإنفاق وتوجيهه الوجهة التي تنتج الثروة ودعم الاقتصاد الوطني من خلال نسيج صناعي من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على غرار ما يحدث في تونس التي اختارت تأهيل المؤسسات الى أن احتلت سلعها مكانة في الأسواق العالمية، فيما فضل المغرب الزراعة والسياحة وهي كلها مجالات تستطيع الجزائر أن تكون فيها رائدة لو أن الرؤية الاقتصادية كانت واضحة. تحرك الفئات الهشة يعري أكذوبة زيادة الأجور لم يجد بشير مصيطفى عناء كبيرا وهو يحاول تفسير ظاهرة احتجاجات الغضب التي شملت جل مدن الجزائر وأحيائها الشعبية دون سواها وهو ينظر الى القضية من زاوية ثنائية القدرة الشرائية من جهة وأكذوبة الزيادات المعتبرة في أجور العمال، ليؤكد في هذا السياق أن تحرك الأحياء الشعبية دون غيرها يأتي ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الطبقة الهشة في المجتمع على اتساع رقعتها التي تأثرت كثيرا بالزيادات الجهنمية التي أضافها بارونات الاحتكار والمتحكمون في أرزاق الجزائريين لأسعار المواد الغذائية الأساسية وعلى رأسها السكر والزيت والفرينة، متسائلا في هذا السياق عن سر غياب الاحتجاجات في بعض الأحياء الراقية في الجزائر. وعلى هذا المنوال عاد مصيطفى ليكشف أن الزيادة في الأجور وقع فعلا ولكن ليس في الأجور الفعلية وإنما مست الزيادات في الأجور الاسمية. وواصل مصيطفى مشيرا إلى أن قيمة الزيادات تعرف اقتصاديا بقيمتها عند مواجهة القدرة الشرائية. ولتأكيد ما طرحه مصيطفى دعا الى إجراء عملية حسابية بسيطة من خلال قسمة معدل الزيادات التي شهدتها الأجور التي تتراوح ما بين 15 و20 على الزيادة التي شهدتها المواد الغذائية والتي بلغت ,150 ليتبين من خلال العملية الحسابية البسيطة أن الناتج أكثر من زهيد وهو ما يجعل المواطن الجزائري لا يشعر بالزيادات التي تعلن في مجال الأجور وتستعمل من قبل السياسيين لاستغفال مواطنين يعتقدون أن جيوبهم قد انتعشت غير أنهم يفاجأون بأنها لا تقوى على مواجهة وطأة السوق والارتفاع البسيط في أسعار المواد الغذائية الأساسية خاصة الواسعة الاستهلاك وهو ما يعني بغلة المسكوت عنه في حديث مصيطفى استحالة مقاومة الأجور للزيادات ''الإجرامية'' التي تشهدها المواد الاستهلاكية. محمد سلطاني الحكومة لا تملك رؤية واضحة ولا أهدافا دقيقة انتقد الخبير بشير مصيطفى السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة منذ سنوات، معتبرا أن هذه الأخيرة لا تمتلك رؤية واضحة ولا أهدافا محددة، متسائلا: هل يريد صانعو القرار ببلادنا أن تكون الجزائر دولة نفطية، أم صناعية أم أننا نطمح إلى أن نكون دولة زراعية؟ وأوضح مصيطفى أن الجزائر، ومنذ سنوات، تعتمد في مدخولها على قطاع واحد فقط وهو قطاع المحروقات، بدلا من التركيز على الإنتاج الصناعي والزراعي، في حين أن بلدانا مجاورة لنا على غرار تونس والمغرب قد وضعت لها رؤية واضحة ومحددة، وهي الآن ماضية قدما في هذا المسار. فالمغرب على سبيل المثال انتهج سياسة زراعية وسياحية واضحة، أما تونس فتعتبر نموذجا رائدا في اعتمادها على الاستثمار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وأشار ضيف ''البلاد'' إلى أن الحكومة كانت في أوقات ماضية تستثمر في المواد الأساسية، على غرار مصنع سفيسف لإنتاج السكر، لكنها الآن وضعت السوق الداخلية رهنا للبارونات والمضاربين على حساب القدرة الشرائية للمواطن. ويرى مصيطفى أن الحكومة فعلا دخلت اقتصاد السوق، ولكنها بالمقابل محت اقتصاد الدولة، فالجزائر في تجارتها الخارجية تبقى تابعة للغرب بنسبة 90 بالمائة. وعليه دعا الخبير الاقتصادي إلى تحرير التجارة الخارجية للجزائر، وذلك عن طريق إعادة بعث القطاع الصناعي وكذا تشجيع الصناعات الغذائية، مطالبا في الوقت ذاته بأن تفتح الحكومة المجال أمام المستثمرين الصغار وإلغاء الضريبة والفائدة حتى يتم تحرير الاستثمار الخاص. وكشف مصيطفى أن ملايير الدولارات التي تجنيها الدولة من عائدات البترول يتم توزيعها ريعا عوض أن توزع بطريقة منهجية تكون نتائجها مضمونة اقتصاديا. عز الدين.ز فيما يتعلق بتقنين ال40 بالمائة من السوق الموازية الحكومة فسرت خطأ تعليمات الرئيس بوتفليقةمصطفى دباش الخبير الاقتصادي، قال إنه سبق للرئيس بوتفليقة أن وجه تعليمات وتوصيات مستعجلة لوزير التجارة خلال جلسات الاستماع شهر رمضان الماضي شدد فيها الرئيس بالإسراع في سن قوانين وإجراءات من أجل وضع حد للتجارة الموازية وغير القانونية التي تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني. ضيف ''البلاد ''قال إن ما طلبه الرئيس بوتفليقة من مصالح الوزير بن بادة ومن طرف مصالح الوزارة الأولى لم يتم ترجمته على أرض الواقع بصورة صحيحة رغم أن توجيهات رئيس الجمهورية كانت أجل تطهير السوق من التجارة الموازية والتي تمثل ما نسبته 40 بالمائة من السوق الوطنية سوق موازية ينشط فيها أزيد من مليون ونصف مليون تاجر فوضوي، والتي تكبد الجزائر خسارة مالية تفوق 25 مليار دينار سنويا رغم التدابير المتخذة منذ سنتين والمتمثلة في إصدار تعليمة تنظيم السوق من مهمة الحكومة ووجوب تأسيس شبكة وطنية للتوزيع وإشراك مجموعة من الوزارة في تنظيم هذا القطاع. كما ربط أستاذ الاقتصاد الإجراءات الجديدة التي حملها قانون المالية لسنة 2011 الذي شددت بعض مواده على إعطاء قدر كبير من الشفافية في تسيير قطاع التجارة عبر سن قوانين صارمة تجبر المتعاملين الاقتصاديين على المرور الإجباري عبر البنوك الوطنية فيما يخص تعاملاتهم المالية واستعمال الصكوك البنكية عندما تتجاوز قيمة السلع الخمسين مليون وكذا إجبارية فوترة كل سلعة وهي الإجراءات التي لقيت رفضا كبيرا من طرف التجار ورجال الأعمال الذي مارسوا كل أشكال الضغوط على وزارة التجارة من أجل التراجع على هذه الإجراءات. وحسب ضيف ''البلاد'' فإن سبب رفض المتعاملين التجاريين الإجراءات الجديدة مرده الانعكاسات السلبية في منظورهم طبعا أي أنه في حال تطبيق الإجراءات فإن قيمة الضرائب سترتفع آليا وهو الشيء المرفوض من طرف هؤلاء التجار ومحتكري بعض القطاعات. مصيطفى: الزيادات في الأجور ''غير مجدية'' كل المواد الغذائية الأساسية بيد البارونات أرجع بشير مصيطفى سبب غلاء المعيشة في الآونة الأخيرة إلى التهاب الأسعار في السوق الوطنية بنسبة 150 بالمائة في ثلاث مواد رئيسية، لا يملك المواطن البسيط الاستغناء عنها، وهي الزيت والسكر والفرينة، بينما شهدت الأسواق العالمية ارتفاعا بنسبة 28 بالمائة فقط، ولو بلغت نسبة الارتفاع في الأسواق العالمية ما بلغته في السوق الوطنية لانهارت. اعتبر مصيطفى أن هذه الزيادة تشهد تصاعدا تدريجيا منذ ما يقارب السنة إلا أنه وفي أواخر شهر ديسمبر من العام الماضي وأوائل الشهر الجاري، شهدنا قفزة رهيبة من 110 بالمائة إلى 150 بالمائة، أي ما يعادل زيادة 40 بالمائة خلال أسابيع فقط. وأوضح مصيطفى أن ما تشهده البلاد من احتجاجات واضطرابات يأتي نتيجة لممارسات بارونات تحتكر السوق، في ظل غياب الرقابة الحكومية، ونظرا لأن هذه الفئة تحتكر 40 بالمائة من التجارة الداخلية فإنها تغطي 100 بالمائة من المواد الغذائية الأساسية، وهذا ما يدر عليها أرباحا طائلة باعتبار أن هامش الربح الذي يحققه هؤلاء المضاربون مبالغ فيه وغير مقبول. وكشف ضيف ''البلاد'' أن الزيادات التي مست بعض القطاعات في الأجور تبقى لا تسد حاجيات المواطن الأساسية، معتبرا إياها غير مجدية ولا تؤدي غرضها باعتبار أنها تنقسم إلى قسمين: زيادة اسمية وأخرى حقيقية، وفيما يخص زيادة الأجور الاسمية فإن تظل نسبية تتراوح في معدلها الإجمالي بين 15 و20 بالمائة، أما زيادة الأجور الحقيقية وهي التي تعكس القدرة الشرائية للمواطن فقد انخفضت انخفاضا يزيد من رقعة الفقراء انتشارا بسبب القفزة الكبيرة التي شهدتها أسعار مختلف السلع الإستهلاكية. وذكر مصيطفى أنه لو كانت هذه الزيادات التي شهدتها أسعار السلع الأساسية في بلد آخر كبريطانيا أو الصين لما كان لها مثل هذه التأثيرات السلبية على مواطنيها، لأن الفرد في هذه البلدان مستوى الدخل لديه أعلى من مستويات الزيادة، بخلاف ما نلمسه في واقعنا، كون الدخل الفردي للمواطن الجزائري يبقى على العموم ضعيفا، لا يرقى إلى مستوى العيش الكريم. عز الدين. ز اعتبرها انتفاضة عفوية مصيطفى: ''ثالوث المشاكل'' سبب هذه الاحتجاجات اعتبر الأستاذ بشيرمصيطفى في حديثه ل''البلاد'' أن موجة الاحتجاجات التي تشهدها عدة مناطق من الوطن عفوية ولا تقف وراءها أي جهة ما. واستبعد فرضية الأسطوانة المشروخة عند اندلاع أي حركة احتجاجية في الجزائر بوقوف ''أطراف ما'' أو جهات مجهولة وراء الشباب الغاضب، مضيفا أن جل الاحتجاجات التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة كانت لأسباب اجتماعية بحتة. ضيف ''البلاد'' قال إن ثالوث المشاكل في الجزائر وهي السكن والشغل وارتفاع الأسعار هو سبب كل الحركات الاحتجاجية في بلادنا واصفا هذه المشاكل الثلاثة بمحركي الانتفاضات الشعبية التي تندلع من حين لآخر بالأحياء الشعبية التي يعاني فيها المواطن الجزائري مهما كانت صفته سواء كرب أسرة يعاني من مشكل الارتفاعات غير المنتهية لأسعار المواد الاستهلاكية أو كشاب في مقتبل العمر يبحث عن حلم الظفر بمنصب شغل يحفظ به كرامته أمام عائلته. أستاذ الاقتصاد رسم صورة سوداوية عن الواقع المعيشي للفرد الجزائري الذي ضاقت به السبل وأصبح يعيش دون أي بصيص أمل ينتشله من الواقع المر الذي يحيط به من كل جانب. كما تساءل ضيف ''الفروم'' عن الحالة النفسية التي تطبع معظم الشب