تضمنت المسودة النهائية لتعديل الدستور المطروح على الاستفتاء الشعبي في الفاتح من نوفمبر القادم إمكانية إرسال وحدات الجيش الجزائري خارج الحدود الوطنية في مهام حفظ السلم، لكن بشروط دستورية تستلزم توافق السلطات المنصوص عليها، الموزعة بين الرئاسة والبرلمان، مع مراعاة ما ينص عليه القانون الأسمى للبلاد في شكله المتكامل كضوابط دستورية. وجاء في المادة 91 المعدلة، إضافة إلى أن رئيس الجمهورية «قائدا أعلى للقوات المسلحة للجمهورية» يتولى «مسؤولية الدفاع الوطني» ومخول بموجب ما يضطلع به دستوريا أن « يقرر إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن»، ويشترط هذا القرار كما جاء في نفس الفقرة «بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان»، بما يفيد الاستناد إلى الاستشارة وموافقة الإرادة الشعبية التي يجسدها البرلمان كسلطة تشريعية. وربط تعديل الدستور الجديد المادة 91 بإضافة فقرة في المادة 31 لتصبح بثلاث فقرات تنص على « تمتنع الجزائر عن اللجوء إلى الحرب من أجل المساس بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحريتها – تبذل الجزائر جهودها لتسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية – يمكن للجزائر في إطار احترام مبادئ وأهداف الأممالمتحدة، الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية أن تشارك في حفظ السلام». كما جاء التعديل بإضافة جديدة في المادة 30 حيث « يتولى الجيش الوطني الشعبي الدفاع عن المصالح الحيوية والاستراتيجية للبلاد طبقا لأحكام الدستور «، زيادة لما كانت عليه من قبل « تمثل المهمة الدائمة للجيش الوطني الشعبي في المحافظة على الاستقلال الوطني والدفاع عن السيادة الوطنية، كما يضطلع بالدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية وحماية مجالها البري والجوي والبحري». الجدل البيني ومشاركات خارجية وأثارت هذه التعديلات اهتمام الرأي العام خلال طرح مناقشة مشروع مسودة تعديل الدستور، الذي قدم بشأنه ما يقارب 2500 وثيقة لمقترحات من أحزاب ومنظمات مدنية وشخصيات مستقلة، وخلفت جدلا سياسيا بين من يطرح التعديل عبر مدى توافق وارتباط العقيدة العسكرية الجزائرية بالمبادئ الأساسية للسياسة الخارجية للجزائر والقائمة على رفض استخدام الحرب والدعوة إلى السلم والسلام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل النزاعات والمنازعات الدولية من خلال القنوات السلمية وفقا للشرعية الدولية التي تمثلها الهيئات الدولية والإقليمية. وبين من يعرب عن تخوفه من توريط الجيش في نزاعات حروب إقليمية ودولية وتعريضه للاستنزاف، وبين من يرى ضرورة تكييف الدستور مع مقتضيات السياسة الدفاعية التي تنسجم مع التحولات والتغيرات في الأوضاع الإقليمية وضمان حماية المصالح الاستراتيجية للجزائر وتقوية مقارباتها في الأمن والسلم بعد أن أضحى الأمن القومي للجزائر يتجاوز الحدود الجغرافية الوطنية. وما زاد في حيوية ذلك الجدل المستجد، الذي لم يخرج عن إطار التلاحم مع مؤسسة الجيش، أنه جاء بالنظر لما حسمته الدساتير الخمس السابقة في عدم تضمنها لمسألة مشاركة الجيش خارج الحدود رغم التعديلات التي شملت بعض موادها، سواء في مرحلة الأحادية والنهج الاشتراكي أو مرحلة التعددية الحزبية، من جيش بامتداد شعبي وفي خدمته، إلى جيش يدافع عن الوطن ومهام البناء والتشييد، ثم جيش بحصرية مهمة الدفاع، وهي المهمة التي احتفظ بها في تعديل أخر، ليضاف لها فيما بعد إدراج العرفان في الديباجة لحفاظه على البلاد من كل خطر أجنبي وفي حماية المواطنين والمؤسسات والممتلكات من آفة الإرهاب وترسخ روح التضامن بين الشعب وجيشه إلى جانب سهر الدولة على احترافيته وعصرنته للاضطلاع بمهام الدفاع المحددة من قبل. كما يخلو سجل مشاركة الجيش الجزائري من أي نزاع خارج الحدود منذ مشاركته الوحيدة في الحرب العربية الإسرائيلية سنتي 1967 و1973 وكان ذلك في إطار الدفاع العربي المشترك، غير أنه ساهم في عمليات أممية لحفظ السلم في أنغولا، كمبوديا، هايتي، بورندي، إثيوبيا، إريتريا، كونغو الديمقراطية، مثلما ساهمت القوات الجوية في نقل قوات إفريقية في إطار عمليات حفظ السلم تحت إشراف الاتحاد الإفريقي في الصومال وفي السودان. الإطار، المهام وآليات القرار أمام ذلك الجدال البيني خلال مناقشة المسودة، تدخل رئيس الجمهورية، الذي يخضع لسلطته الجيش الوطني الشعبي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة والذي جاء باقتراح مشروع تعديل الدستور، لإزالة اللبس حول مشاركة الجيش الجزائري في الخارج، بدء من التشديد على أن الفلسفة العقائدية لم ولن تتغير بوضوح إطار المشاركة في عمليات عسكرية خارج التراب الوطني، وبالعودة إلى ما تضمنه التعديل الدستوري فهو رجوع إلى الأمور العادية، فالجيش الوطني الشعبي إذا حدث وأن شارك في عمليات خارجية، فإن ذلك سيتم تحت حماية القانون والدستور، وبصفة ديمقراطية طبقا لنص المادة 91 ، مضيفا أنه من حق» جيشنا الاندماج مع قرارات الهيئات الدولية والإقليمية للخوض في مهام السلام، ومن أجل الاضطلاع بمهام سلمية دفاعا عن الجزائر»، وهي مسائل مفصلة في المادة 31، بما يفيد عموما أنه لا يوجد أي لبس فيما يتعلق بإرسال القوات المسلحة إلى الخارج عبر وضوح ثلاثية: تحديد الإطار، طبيعة المهام وآليات اتخاذ القرار. ويشدد الرئيس تبون أنه وفي بعض الأحيان يعد « الهجوم أحسن دفاع لكن في حدود معينة «، ويذكر في هذا الخصوص الهجوم الإرهابي على قاعدة «تقنتورين» في عمق الجنوب الصحراء قبل سنوات، حيث كانت الفلسفة المعتمدة تمنع الهجوم على الإرهابيين طالما لم يصلوا بعد إلى حدود البلاد، في إشارة أنهم كانوا أثناء التمركز والتخطيط والتنفيذ في منطقة تعرف توترا أمنيا وأزمات وعلى مسافات من الحدود الجغرافية للبلاد. التمييز ودستورية السلم والأمن ولتوضيح المفاهيم الدستورية أكثر، أكد رئيس لجنة الخبراء المكلفة بمراجعة الدستور، أحمد لعرابة، نفس التوجه في إزالة اللبس حول إمكانية نشر قوات الجيش الوطني الشعبي خارج الحدود الوطنية بما لا يشكك بتاتا في عقيدة الجزائر بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأن ما جاء به الدستور يرمي إلى تمكين رئيس الجمهورية من إرسال قوات في إطار عمليات حفظ السلام الأممية بما يعرف ب»القبعات الزرق» وفقط. وتناول لعرابة في هذا الإطار التمييز بين عمليات حفظ السلم وما يعرف بالتدخلات العسكرية، مع تأكيده على أن مهام حفظ السلم هي «مهام دفاعية بحتة»، وفي هذا النوع من العمليات ليس هناك مواجهات ولا استعمال للأسلحة الثقيلة. وتتجانس مبادئ وأولويات السياسة الخارجية للجزائر مع كون عمليات حفظ السلم قائمة على مبادئ واضحة، منها الشرعية المرتبطة بنص ميثاق الأممالمتحدة خصوصا الفصل السابع منه، ومبدأ الحياد وعدم اللجوء للقوة المسلحة إلا في حالة الدفاع الشرعي، وبحكم عضويتها في منظمة الأممالمتحدة فإن الجزائر مدعوة إلى المشاركة في تسوية النزاعات الدولية وحفظ السلم سواء سياسيا أو عملياتيا كباقي الدول العضوة. المؤسسة العسكرية وبعد حسمها للجدل حول مهام الجيش الوطني الشعبي خارجيا وتثمينها عاليا لما جاء في وثيقة الدستور المطروح على الاستفتاء ، الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه، وإصرارها على العمل الدائم في إطار الدستور، أوردت مجلتها «الجيش»، اللسان المركزي للمؤسسة العسكرية، ودون الخوض في التفاصيل، توضيح مسألة ما ورد في التعديل أنه «حتى ولو كانت المشاركة في عمليات حفظ السلام والأمن ليست بالأمر الجديد بالنسبة لبلادنا فمن شأن ذلك أن يساهم في تفعيل السلم والأمن، خصوصا بالقارة الإفريقية التي تشهد أكبر عدد من النزاعات في العالم وانتشار أكثر عدد من مهمات الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلم في دول نخرتها الحروب والنزاعات». وذهبت مجلة الجيش إلى التأكيد على أن «الأمن القومي للبلاد الذي يتجاوز حدودها الجغرافية الوطنية، يقتضي في ظل الوضع السائد على الصعيد الإقليمي وما يطبعه من تحولات وتغيرات جديدة، تعزيز حماية أمن واستقرار الوطن والمشاركة في عمليات فرض حفظ الأمن». تحديات «الإقليمي» على الحدود هذه المقاربة والوعي بالتحديات السياسية والإقليمية، أوضحها رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق السعيد شنقريحة خلال زيارته إلى الناحية العسكرية الثالثة ببشار حيث وبعد تطرقه لشساعة التراب الوطني وشدة الصراعات الجيوسياسية التي أصبحت معاشة إقليميا ودوليا، أكد أن ذلك يتطلب من الجيش الوطني الشعبي حرصا شديدا على مواكبة تحديات ورهانات الوضع الإقليمي والدولي في بعده الأمني والعسكري، في إشارة إلى ما يتعلق بالتأمين الشامل للحدود، وحماية المواقع الاقتصادية الحساسة في الجنوب الكبير، والتصدي لمختلف الآفات، على غرار الهجرة غير الشرعية، وتهريبالمخدرات والأسلحة والذخيرة. وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد تناول هذه الوضعية، التي تخص أمن واستقرار حدود الجزائر في عمقها، في أخر كلمته التي ألقاها بوزارة الدفاع الوطني، وبلغة التحذير، من أن «الجزائر اجتازت بصمود جيشها، وبوعي ونضج مواطنيها، مطبات كثيرة، وانتصرت عليها ولكنها لم تصلِ بعد إلى برالأمان»، مضيفا أن «المتربصين بنا لن يتوقفوا، خصوصا على حدود الجزائر التي تحولت إلى مسرح للصراعات الدولية، وهي تعنينا بشكل مباشر شئنا أم أبينا «ويأتي ما تولاه البند الجديد في تعديل الدستور حول دفاع الجيش عن المصالح الحيوية والاستراتيجية للبلاد، من موقعها الجيو- استراتيجي في منطقة تعرف عدم الاستقرار السياسي في مالي وتردي الوضع الأمني في منطقة الساحل وما شهدته من توافد قوافل السلاح بعد انهيار ليبيا وفوضى مخازن السلاح وإفرازات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط خصوصا في سوريا والعراق واليمن من جهة، ومن جهة أخرى بما يتماشى مع وتيرة التحديات والتهديدات في العالم التي تعرف إضافة إلى الصراعات والنزاعات تغيرات في طبيعتها ومصدرها، وكثيرا ما ضبطت قوات الجيش مقاتلين فارين حاولوا الدخول إلى الجزائر بعد انهزام تنظيماتهم الإرهابية، وبعد محاولات للمتوقع وإعادة التشكيل تحت مظلة تنظيمات جديدة، وتبقى هذه الوضعية محل انشغال لما تشكله من مخاطرعدم الاستقرار لتجد الجزائر نفسها معنية بأمن هذه المنطقة التي يقوم عليها أمنها الاستراتيجي.