رفع الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري في رسالة مطولة، إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مبادرة سياسية تهدف إلى تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي في الجزائر، من خلال رفع القيود عن حرية التعبير ومد جسور التشاور والحوار مع القوى السياسية للتحضير لانعقاد مؤتمر وطني جامع مهمته وضع أرضية لإخراج البلاد بشكل نهائي من مخلفات الأزمة الأمنية. تأتي مبادرة الأمين العام الأسبق للحزب العتيد عبد الحميد مهري في خضم الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعرفه البلاد وعشية احتجاجات ومسيرات تدعو إليها جهات من هنا وهناك، وفي ظرف إقليمي يتميز بانتشار سريع لشرارة احتجاجات وثورات الشارع التي امتدت لأكثر من بلد عربي. وحسب مهري في رسالته التي تلقت »صوت الأحرار« نسخة منها، فإن الأصوات المطالبة بالتغيير، والحريصة على أن يتم هذا التغيير في كنف السلم والنقاش الحر، كثيرة، والنذر التي تنبه لضرورة هذا التغيير ظاهرة للعيان منذ سنوات عديدة، ولكنها تجمعت، في الأشهر الأخيرة، مثلما يذهب إليه مهري في رسالته، بقدر لا يمكن معه التجاهل أو التأجيل، وقال إن الأحداث الجارية في البلاد وتلك التي عرفتها وتعرفها دول في المنطقة العربية شبيهة بتلك التي عرفتها الجزائر في أكتوبر سنة 1988، مذكرا في رسالته ما انجر عنها من أحداث وأزمات، ومآس ما زال الشعب يتجرع، بعض كؤوسها المرة. وتتضمن مبادرة مهري للشروع في التغيير السلمي ثلاثة محاور أساسية، أولها، التعجيل برفع القيود التي تحول دون حرية التعبير أو تحد منها، وتوفير الظروف الملائمة لتمكين التنظيمات والمبادرات الاجتماعية لشباب الأمة وطلبتها وإطاراتها ونخبها، في مختلف القطاعات والاختصاصات والمستويات، من ممارسة حقهم الطبيعي والدستوري في التعبير، بجميع الوسائل والطرق القانونية، عن مآخذهم ومطامحهم وآرائهم واقتراحاتهم. أما المحور الثاني في مبادرة مهري فيتمثل في تنظيم ملتقيات للحوار في مختلف المستويات ومن مختلف التيارات الفكرية والسياسية التي تنبذ العنف والإقصاء للبحث عن القواسم المشتركة التي يمكن أن تلتقي عندها الإرادات والجهود لإنجاح التغيير السلمي المنشود، مع تنصيب أفواج تضم مختصين وخبراء لتقييم موضوعي لما أنجز في كل قطاع منذ الاستقلال وتحديد نقاط القوة والضعف ورسم آفاق تطويره مستقبلا، إلى جانب إنشاء وداديات التضامن ضد الفساد والرشوة مهمتها إقامة سد في وجه انتشار الفساد، وهي المهمة التي تكمل الإجراءات الإدارية والقانونية التي تهدف إلى القضاء على الفساد. أما المحور الثالث في مبادرة الأمين العام الأسبق للأفلان فيتعلق بمد جسور التشاور والحوار، على أوسع نطاق، مع القوى السياسية قصد التحضير لانعقاد مؤتمر وطني جامع مهمته تقييم شامل لنظام الحكم وممارساته في مراحله المختلفة منذ الاستقلال، وتحديد المهام والوسائل والمراحل الكفيلة بإرساء دعائم الحكم الديمقراطي ودولة القانون، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإخراج البلاد، نهائيا، من دوامة العنف التي تعصف بها منذ عشرين سنة، حيث يرى مهري أن الأزمة التي ما زالت إفرازاتها تطغى على الساحة السياسية هي محصلة الأخطاء التي ارتكبتها بعض الحركات الإسلامية وأخطاء سلطات الدولة في معالجتها، فلا يمكن من وجهة نظره علاج الأزمة بمعالجة نصفها وتناسي النصف الثاني. كما يقترح مهري بالنسبة لمهام المؤتمر الوطني الاتفاق على أرضية وطنية تبلور التوجهات الكبرى لآفاق التنمية الوطنية الشاملة، وإعداد البلاد لمواجهة التحديات التي تمليها المتغيرات العالمية، والاتفاق على أرضية وطنية توضح ثوابت السياسة الخارجية وخطوطها العريضة، وفي مقدمتها تحديد الخطوات الكفيلة بتحقيق الوحدة بين أقطار المغرب العربي. وينتقد مهري في تحليله للظرف الذي تعيشه البلاد في الأسابيع الأخيرة على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالنظام التونسي وامتدت إلى مصر للإطاحة بالرئيس حسني مبارك، الخطاب الرسمي الذي أخطأ أو تعمد الخطأ في قراءات هذه الأحداث من خلال التهوين من تأثيرها وإنكار دلالاتها السياسية بدعوى أن المطالب المرفوعة من طرف المحتجين في الجزائر مطلع جانفي الفارط لا تتضمن أي مطلب سياسي، وقال إن هذه القراءة الخاطئة من أطراف وسوء القصد من أطراف أخرى هي التي حالت، في رأي مهري، دون استخلاص الدروس الصحيحة من حوادث أكتوبر 1988، ومكنت أعداء التغيير، إذ ذاك، من العمل المخطط لسد السبل المؤدية للحل الصحيح، وهو الانتقال لنظام حكم ديمقراطي حقيقي.