لا يزال الجدل قائما حول طبيعة الإصلاحات السياسية المنتظرة والتي يفترض أن يبادر بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، لا سيما بعد اللقاءات التشاورية التي جمعته مؤخرا مع عدد من الشخصيات السياسية والوطنية، وبالرغم من اختلاف وجهات النظر حول طبيعة هذه الإصلاحات، إلا أن هناك إجماعا لدى الطبقة السياسية حول ضرورة تبني تغيير هادئ وسلمي. فتح النقاش على مصراعيه حول طبيعة الإصلاحات السياسية الواجب انتهاجها من أجل ضمان تغيير جذري لطبيعة النظام السياسي بما يسمح بتكريس دولة القانون في إطار سياسي ديمقراطي، ولعل ما يميز هذه الطروحات في الوقت الراهن هو تلك الظروف الصعبة التي تعرفها المنطقة العربية والمغاربية منذ نهاية العام الفارط مع اندلاع الثورة التونسية التي أعقبتها الثورة المصرية وما صاحبهما من أحداث وشغب وفتن عبر عديد الأقطار العربية، في وقت وصلت فيه نار الفتنة والحرب إلى دولة حدودية مع الجزائر. من المؤكد أن طبول الحرب التي تقرع في ليبيا جراء التدخل العسكري الذي يقوده كل من الحلف الأطلسي وفرنسا، لا تجعل الجزائر في منأى عنها، وهذا ما يجعل عديد الدول يترقبون موعد الجزائر ويتلهفون لاشتعال نار الفتنة بها، لكن الواقع يوضح تماما أن هناك اختلافا كبيرا وشاسعا بين الجزائر وباقي الدول الشقيقة، اختلاف نابع من خصوصيات الدولة الجزائرية والتركيبة البشرية من جهة ومن الظروف التي عاشها الجزائريون والثمن الباهض الذي دفعوه خلال العشرية الدامية من جهة أخرى، وبالتالي فمن البديهي أن نقول أنه لا مجال للمقارنة. صحيح أن هذه الإصلاحات التي تحملها موجة عارمة من التغيير تضرب المنطقة العربية والمغاربية على حد سواء تعتبر بمثابة الحتمية بالنظر إلى معطيات المنطقة، لكن ما يحدث في الجزائر هو تجسيد لإرادة حقيقية في التغيير، ولعل الطبقة السياسية بكل مكوناتها وحتى إن اختلفت حول طريقة التغيير، إلا أنها أجمعت على ضرورة تبني إصلاحات وتغيير سلمي هادئ، يكرس الممارسة الديمقراطية بكل أبعادها في دولة القانون لا غير. وأمام هذا الغليان السياسي والاجتماعي الذي ينبئ بوجود حراك إيجابي لمختلف الشرائح الاجتماعية بغض النظر عن انتماءاتها ومشاربها السياسية، نجد أحزابا تدعو إلى إنشاء مجلس تأسيسي بهدف تسيير المرحلة الراهنة، بالإضافة إلى حل البرلمان بغرفتيه وإجراء انتخابات مسبقة، ناهيك عن تعديل جذري للدستور، هي مقترحات يزكي الأفلان جزءا منها والمتعلق بتعديل الدستور وتحديد ملامح النظام السياسي، إضافة إلى تعديل قانون الانتخابات وغيرها من القوانين التي من شأنها المساهمة في إثراء الترسانة القانونية للبلاد بما يكرس النهج الديمقراطي، فيما يرفض حزب الأغلبية حل البرلمان وتأسيس المجلس التأسيسي لأنه يعيد الجزائر إلى نقطة الصفر. وبالفعل، استجاب رئيس الجمهورية لهذه الانشغالات من خلال اتصال مباشر وحثيث مع عديد الشخصيات السياسية والوطنية بهدف تعميق الحوار والتشاور حول مستقبل التغيير في الجزائر والذي هو آت لا محالة على حد تعبير أمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم، بفعل تطورات المرحلة الراهنة التي تفرض التجاوب مع المطالب الشعبية وتطلعات الجزائريين التي تتجاوز الخبز والزيت، وترقى إلى مطالب سياسية تجسدها العدالة واحترام الذات وصون كرامة المواطن البسيط.