ما كان يعتبر مجرد تكهنات وتخمينات إعلامية حول وجود أطراف أجنبية تقف وراء دعوة الجزائريين إلى التظاهر اليوم، أضحى حقيقة أكدتها الحكومة على لسان وزير الخارجية دحو ولد قابلية الذي اتهم أطرافا صهيونية بالوقوف وراء محاولات إشعال نار الاحتجاجات في الجزائر، فتنة يراد لها أن تدخل البلاد في دوامة جديدة من العنف رغم الحصانة التي اكتسبتها خاصة في ظل حزمة الإصلاحات السياسية غير المسبوقة التي أعلن عنها مؤخرا. أخذت الحكومة على محمل الجد ع الدعوات التي أطلقها نشطاء عبر شبكة التواصل الاجتماعي ال »فيسبوك« مؤخرًا، والتي تدعوا الجزائريين للخروج اليوم، المصادف لل 17 سبتمبر، إلى الشارع والمشاركة في احتجاجات تعم كل جهات الوطن تطالب بالتغيير على طريقة ما أصطلح عليها ب »الثورات العربية«، أو »الربيع العربي«، وهو ما أدى إلى استنفار غير مسبوق على كل مستويات السلطة وأجرت الحكومة اجتماعات رفيعة المستوى، وفتحت مصالح الأمن تحقيقات واسعة، شملت كل المحافظات، بغرض تتبع أثار الجهة التي تقوم بتحريض الشباب للانتفاض في وجه السلطة، خاصة مع ظهور منشورات ومطويات نسختها أطرف مجهولة وقامت بتوزيعها على الأحياء الشعبية في عدة محافظات، تدعو الجزائريين للخروج في يوم واحد. ورفعت مصالح الأمن الجزائرية من درجة تأهبها، حيث وجه اللواء عبد الغني هامل المدير العام للشرطة الجزائرية، برقية عاجلة إلى جميع وحدات الأمن، يحثها فيه على ضرورة رفع حالة التأهب، والاستعداد تحسبا للاحتجاجات،وشددت البرقية أنه على الجميع الذهاب إلي أعمالهم، مع إلغاء العطل، وضرورة تبني مخطط أمني دقيق، من خلال الانتشار الواسع، وتوزيع التشكيل الأمني المكلف بضمان الأمن العمومي، إلى جانب تكثيف عدد الدوريات، وتكثيف التعزيزات الأمنية في جمع مداخل ومخارج الولايات والأحياء والشوارع. فما كان يعتبر مجرد إشاعة تحول إلى هاجس رسمي عبر عنه وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية الذي اتهم بشكل مباشر وصريح، أطرافاً أجنبية على علاقة بإسرائيل بالسعي لإثارة الفوضى في الجزائر، عبر نشر دعوة مجهولة يتم تداولها منذ أيام عبر موقع التواصل الاجتماعي »فيسبوك«، تحرض الجزائريين على الخروج إلى الشارع، وقال ولد قابلية في تصرح صحفي إن »الأمر يتعلق بأطراف خارجية، بالنظر إلى التاريخ الذي تم اختياره، والمرتبط بذكرى اتفاقيات كامب ديفيد، وذكرى أحداث صبرا وشاتيلا«، وأضاف: »لو أنها أطراف داخلية كنا توصلنا إليها وأوقفنا المسؤولين عن محاولة زرع الفتنة، ولكن، كل المؤشرات تؤكد أنها خارجية ذات علاقة بالكيان الصهيوني، واختيار التاريخ يوحي بأنها مدروسة تسعى لتخليد ذكرى اتفاقيات كامب ديفيد وأحداث صبرا وشاتيلا«، وواصل وزير الداخلية يقول بأن »التحريات التي تقوم بها الأجهزة المعنية أكدت وجود عزوف تام ومقاطعة لهذه الدعوات المغرضة التي ثبت أنها من أطراف أجنبية، هدفها زعزعة الاستقرار الداخلي للجزائر«، وأضاف بأن السلطات عملت على جس نبض الشارع الجزائري، من خلال الانترنت ومواقع التفاعل الاجتماعي، فضلا عن العمل الاستعلاماتي، إذ تم التأكد من عدم وجود أية استجابة لهذه الدعوات المغرضة، خاصة وأن الجزائريين لا يعتبرون بأن هناك مبررات للثورة على الحكم، في ظل الإصلاحات وخصوصا وأنه لا مجال للمقارنة بين الجزائر التي تنعم بقدر محترم من الحريات ومن الممارسة السياسية، وبين العديد من الأنظمة العربية التي يعشش فيها الاستبداد، بما في ذلك أنظمة الطغيان التي يمثلها ملوك الخليج. وجاءت تصريحات ولد قابلية لتؤكد صحة التكهنات التي طرحتها وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، بناءا على مؤشرات كثيرة، حول وجود أطراف خارجية تروج لموجة من الاحتجاجات على الطريقة التي عاشتها تونس ومصر، أو ربما على طريقة الفتن العنيفة التي حصلت في ليبيا وتواصل صنع الأحداث الدامية في هذا البلد وفي سوريا واليمن، كما كشفت بعض التحريات بأن وراء إطلاق الدعوة إلى التظاهر في 17 سبتمبر مكتب يقع ببنغازي الليبية، ولا يعرف لحد الآن طبيعة تشكيلة هذا المكتب وجنسيات أعضائه، وإن تأكد الوجود الإسرائيلي بين أصحاب الدعوة على »الفيسبوك«، فإن ذلك يؤكد أيضا بأن ليبيا، وكما حذر الكثير من المراقبين ومن المحللين، قد تحولت إلى محطة لزرع الفتنة في دول المنطقة، وخصوصا في الجزائر التي تقدم على أنها الدولة مرشحة لأن تعيش فصول مدمرة من الفتنة بعدما استقر الأمر للمعارضة المسلحة وللحلف الأطلسي في ليبيا، وأصبح نظام العقيد معمر القذافي من الماضي، حتى وإن لا زال يشكل خطرا على النظام الجديد في طرابلس، وقد تعيش ليبيا مع المقاومة الجديدة فصول من الحرب الأهلية على الطريقة العراقية التي تجعل الحل يبتعد أكثر في ليبيا المفتوحة حسب العديد من الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين على جميع الاحتمالات. والواقع أن اتهام إطرافا صهيونية بالوقوف وراء الدعوة إلى الاحتجاجات في الجزائر لها ما يبررها حتى بالنسبة للذي ليست له معلومات أمنية دقيقة كالتي تملكها الحكومة، فالفيلسوف اليهودي برنار هنري ليفي، الملقب بأب »الربيع العربي«، أو بالأحرى مهندس الفتن العربية ومفكر ما يسمى ب »الفوضى الخلاقة«، أصبح »أشهر من نار على علم« كما يقال، وقد سجل حضورا لافتا للانتباه خلال الزيارة التي قام بها كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والوزير الأول البريطاني ديفيد كامرون لليبيا، وشهد الجميع ليفي وهو يلوح بيده لتحية جموع الليبيين الذين ساقهم المجلس الانتقالي بقيادة مصطفى عبد الجليل للقاء »الملاك الحقيقيين« لما يسمى ب »الثورة« ضد نظام العقيد معمر القذافي، الذين جندوا الأطلسي وبعض ملوك العرب لإمطار ليبيا بوابل من الصواريخ والقنابل الموجهة والمحشوة باليورانيوم المخضب، وقتلوا ألاف الليبيين الذين لم تطلهم الفتنة ولم يحصدهم رصاص كتائب العقيد أو زمر الانتقالي. ويبدو أن الجهات التي تسعى لتحريك الشارع الجزائري تعول بشكل خاص على بعض الاحتجاجات المحلية التي ليس لها أي بعد سياسي، وهي عبارة عن احتجاجات تتعلق بالسكن أو بالشغل وبأحداث مختلفة، ومؤخرا فقط شهدت إحدى قرى تيزي وزو احتجاجًا على مقتل سيدة برصاص جندي عن طريق الخطأ. ويبدو أن الدعوة إلى التظاهر هي محاولة لاستباق السلطة ولنسف كل ما تبذله من مجهودات في إطار عملية الإصلاح السياسي والدستوري، فهذه الدعوة تتزامن مع الإعلان عن مجموعة من مشاريع القوانين المتعلقة خصوصا بقانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وفتح القطاع السمعي البصري أمام الخواص، وهو ما يحولها إلى مسعى هدفه الأول والأخير هو تفويت الفرصة على الجزائريين لإحداث تغيير سلمي رصين، جدي وهادئ، وتفضيل طريق العنف الذي يمكن من تحقيق أهداف الجهات التي تروج للفتنة، أي نسف كل ما بني في الجزائر منذ الاستقلال، والقيام ب»ثورة« على مستوى القيم، تنهي حتى قدسية ثورة التحرير في بلد يراد له أن يكون مقسما ومشتتا، ومنسلخ عن كل المبادئ التي بني عليها في مقاومة المحتل ودعم الشعوب المستعمرة ورفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان العبري.