تعتبر الجزائر العاصمة من أكثر المناطق اكتظاظا مقارنة بالولايات الأخرى، وتعرف معظم أحيائها حركة غير عادية طيلة أيام السنة، إلا أن الجزائر الوسطى وبالضبط المنطقة التي يعرفها الجميع بساحة أودان (Audin) تتميز بنشاط غير عادي على مدار السنة، لكن الوتيرة تتضاعف أكثر فأكثر في فصل الصيف وحتى خلال ساعات الليل. بن عميرة الطاوس المنطقة وبحكم موقعها في قلب العاصمة الذي يضم أهم المرافق العمومية منها الجامعة المركزية، الثانوية، وغيرها من الهياكل والمراكز الخدماتية كالبريد المركزي مثلا يجعلها معرضة للضغط الكبير وإقبال عديد المواطنين، إضافة إلى كونها همزة وصل بين مناطق عديدة مجاورة مثل ساحة الشهداء، الابيار، أول ماي، وغيرها، فهي بذلك منفذ لمختلف المناطق المجاورة، وتربط بين شبكة معتبرة من الطرقات التي تعرف حركة مرورية كثيفة. المتجول بالمكان آخر النهار يستطيع ملاحظة الفرق بينه وبين غيره من الأماكن الأخرى بالعاصمة، ومع أن المشهد نهارا يختلف عما هو عليه ليلا، الا أن المنطقة تبعث فيها الحياة بنفس آخر خلال الفترات المسائية، على اعتبار أن النهار تطبعه الحركة والنشاط، رغم ارتفاع درجة الحرارة إلا أنه ومع ميول شمس كل يوم نحو المغيب يلبس المكان ثوبا آخر تطبعه الحركة المتواترة، لأنه ليس من الأماكن التي تهدأ فجأة وفي ساعة محددة، حيث يستمر فيها النشاط تقريبا كما في النهار، لكن بوتيرة أقل، والسبب في ذلك موقعها الذي يتوسط العاصمة، بالإضافة إلى عامل توفر الأمن، ويزداد هدوء المنطقة عندما تخف بها ضوضاء السيارات وتقل زحمة المرور، وتهدهدها نسمات البحر المسائية التي لا تقاوم، وكأنها تدعو الناس للخروج واغتنام فرصة هذا السكون وليس بوسع العائلات التي تقطن المكان سوى تلبية الدعوة، ولأن معظمهم يحبذون فكرة الخروج مساء للترفيه عن النفس، والتخلص من ضغط يوم كامل من العمل، تمتلئ شوارع المنطقة بالأطفال الذين يلعبون هنا وهناك. والذين لا يتسنى لهم فعل ذلك في النهار، بسبب عدم توفر مكان لذلك، أو بسبب الحرارة المرتفعة، وكذلك الشباب الذين يجتمعون عند زاوية كل منعرج، أو أمام مبنى من المباني يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث، حتى كبار السن والشيوخ لا يفوتون الفرصة ويجوبون الشوارع بخطوات متثاقلة يجددون بها دوراتهم الدموية، أو يجسلون على الأرصفة يتذكرون ذكريات الماضي، ويناقشون مشاغل الكبر، مكسرين بذلك روتين التقاعد. من جهة أخرى هناك من يستغل هدوء المكان للخروج مع عائلته لتناول المثلجات، وهو الشيء الذي لا يقاوم في فصل يعرف ندرة كل شيء ما عدا المثلجات، وقد تكون وجهتهم المحلات التجارية التي تبقى مفتوحة لساعات متأخرة من الليل لاقتناء متطلباتهم، لأن منهم من يفضل التسوق في مثل هذه الأوقات هروبا من ضغط الاكتظاظ خلال النهار، أو لأنه لم يتسن له فعل ذلك بحكم العمل وانشغالاته. الكل يجمع ودون استثناء على انتعاش هذه المنطقة وحيويتها خلافا لغيرها من الأماكن وكل الظروف مهيأة لاستقبال كل الأمسيات بنفس الوتيرة وربما بتسارع أكبر في الأيام المقبلة من الصيف، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وفرصة العطلة الصيفية التي يخف فيها الضغط على منطقة الجزائر الوسطى، إلا أن البعض يفضل التوجه إلى الشواطئ الجزائرية الساحرة طلبا للراحة والاستجمام وهروبا من ضغط المدن وضوضائها