وصل رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي إلى قناعة، بعد مرور 20 سنة من قرار توقيف المسار الانتخابي الذي كان أحد مهندسيه، بأن »السلطة في الجزائر هي أسوأ من الفيس«، وفي محاولة للحصول على عذرية سياسية تسمح له بالعودة مجددا إلى الواجهة مستقبلا، سعى غزالي، بأسلوب تغلب عليه أدبيات »التوبة السياسية« إلى التنكر للنظام وخياراته المختلفة، مما أوقعه في تناقضات صارخة زادت في قتامة الماضي السياسي لرجل محسوب على مرحلة تعد من أسوا المراحل التي عرفتها الجزائر. وقع رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي، في الحديث الذي خص به يومية »الوطن« الناطقة بالفرنسية في تناقضات صارخة، عكست بشكل واضح وجلي شخصية رجل سياسي يحاول العودة من عمق سحيق إلى الواجهة، رجل يسعى إلى كسب عذرية سياسية تسمح له بمسح كل ما له علاقة بماضيه السياسي باعتباره جزءا فاعلا في السلطة، وأحد الذين ساهموا بحكم مواقفهم وقناعاتهم وبحكم المسؤوليات التي كانوا يشغلونها في اتخاذ أهم وأخطر قرار المتعلق بوقف المسار الانتخابي، لما لهذا القرار من انعكاسات كبيرة جدا على مستقبل البلاد على جميع الأصعدة. أليس غريبا أن يزعم سيد أحمد غزالي بأن ما عاشته الجزائر خلال العشريتين الأخيرتين لم يكن بسبب وقف المسار الانتخابي؟ فهل تلك المحاولات اليائسة التي قام بها وهو يرد على أسئلة صحفي الزميلة »الوطن«، للالتفاف حول وقائع تاريخية يعرفها الشعب الجزائري والعالم أجمع، يمكن أن تبيض المسار السياسي لرجل لا يتذكر عنه السواد الأعظم من الجزائريين إلا شيئين، واحد سياسي يتعلق بوقف المسار الانتخابي بعد تنظيم انتخابات » شفافة ونزيهة« عاد ليطعن هو شخصيا فيها، وندوة للوفاق الوطني جمعت شتات عشرات التشكيلات الحزبية لتتفرق من دون التوصل إلى أرضية كان يمكن أن تجنب البلاد الانزلاق الكبير الذي وقعت فيه، وأخر اقتصادي يتعلق »ببيع« حاسي مسعود، أما ما دون ذلك فإن ما يعرف عن غزالي هو سلسلة التصريحات التي أطلقها خلال السنوات الأخيرة كرد فعل على رفض اعتماد التشكيلة السياسية التي أنشأها للعودة الساحة السياسية، وإصراره على أنه لم يكن جزءا من السلطة، وأنه قد تعرض منذ 62 إلا ما لا يقل عن 30 سنة من الإقصاء، وكأنه يريد أن يقول بأن قدره كان أن يولد في أحضان السلطة ويشب فيها ويشيخ ولا يرحل عن هذه الدنيا إلا هو على كرسي السلطة. لقد وقع غزالي في تناقضات كثيرة وهو يحال تذكير الجزائريين بمواقفه السابقة، والعودة بهم إلى مرحلة ما قبل توقيف المسار الانتخابي، وسقط سقوطا حرا وهو يجتهد لتغيير جلده بغية العودة إلى الواجهة ودخول المعترك السياسي في المستقل، خاصة إذا ما حصل على اعتماد حزبه الجديد، والذي يريده عنوان لغزالي جديد، غزالي ديمقراطي ليس له أي علاقة بغزالي السياسي ورئيس الحكومة الذي تجند قبل عشريتين لتسهيل مهمة مجموعة العسكريين أو السياسيين الذي كانوا وراء توقيف المسار الانتخابي. قد لا يسع المقام لذكر كل التناقضات التي وقع فيه غزالي ونكتفي بالبعض منها كقوله: »لقد صرحت في خطاب بالمجلس الشعبي الوطني بان كل الحكومات التي تعاقبت، بما في ذلك الحكومة التي كنت أترأسها، لم تكن نتائج الإرادة الشعبية..«، وهنا يصبح من الواجب التساؤل لما قبل غزالي، الإشراف على حكومة لم تشكل بطريقة ديمقراطية ولم تكن نتاج الإرادة الشعبية؟ فمن كان يعتقد بأن سيد أحمد غزالي المنفذ لإرادة من يسمون ب »الجانفيين«، والخادم المطيع للسلطة يأتي اليوم الذي يزعم فيه بأن الجزائر محكومة من قبل »سلطة خفية«، وحتى رئيس الجمهورية، حسب قوله، لم يكن منتخبا من قبل الشعب الجزائر، ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يقول بأن الانتخابات الوحيدة التي حصلت كانت في 62، أما ما تام فيما بعد فلم يكن انتخابا، وإنما عملية تعيين فقط حتى بالنسبة للرئيس بوتفليقة، حسب زعم سيد أحمد غزالي طبعا. هو غزالي إذن، ابن النظام الذي ينط من النقيض إلى النقيض، ويتبنى أكثر الأفكار راديكالية وتطرفا فيما يخص نظام الحكم، مع أن هذه المواقف تعد في الواقع إدانة لهذا الرجل نفسه خاصة لما يقول بأن »السلطة لم تكن بيد الجيش، ولا حتى بيد جهاز الاستخبارات وإنما بيد أوليغارشيا«، أو ما أسماه بأهم »حزب خفي« في البلاد، ويضيف بأنه لم يكن بالإمكان أن تتم أي تعينات، سواء في الوظائف السامية أو النواب أو الولاة أو الوزراء أو حتى رئيس الجمهورية ضد إرادة هذه الأوليغارشا، فرئيس الحكومة لا يملك سوى التأشير فقط على قوائم تسلم له من قبل »السلطة الخفية«، مضيفا بأن في الجزائر لا وجود لسلطة سياسية كما هو محدد في القوانين. والحقيقة أن انتقد سيد أحمد غزالي النظام أكثر من انتقاده لجبهة الإنقاذ المحلة، بل زعم أيضا بأن النظام، الذي كان هو جزءا لا يتجزأ منه، تقاطع مع »الفيس« في هدف أساسي ألا وهو إنقاذ النظام، وصرح في هذا الشأن بأن »قرار وقف المسار الانتخابي قدم كخيار لإنقاذ الجمهورية، لكن الذي حصل هو أن السلطة هو ما تم إنقاذه«، والسؤال هو أي جمهورية كان يريد »الجانفيين« الذي خدمهم غزالي، إنقاذها، ألم يكن النظام حين ذالك هو البديل الوحيد في ظل الصدام الذي كان موجودا بين الإسلاميين والوطنيين والديمقراطيين..الخ، ثم من الذي جعل غزالي لا يكشف »عورة« السلطة حينها وينتظر عقدين ليبوح بذلك، فهل الشعب الجزائري بحاجة إلى سياسيين من هذا النوع لا يدركون الحقائق مهما كانت خطورتها إلا بعد 20 سنة، ثم ما معنى أن يصرح سيد أحمد غزالي بأنه قد وصل إلى قناعة بأن »السلطة هي أسوء من حكم الفيس«، وأن نتائج انتخابات ديسمبر 91 »هي نتاج لحقيقة اجتماعية ولموقف شعب رفض السلطة التي تسببت في وضعيته«،هي هي التوبة أم محاولة فقط لدغدغة عواطف المعارضة الراديكالية.