أعادت حادثة اختطاف والي اليزي محمد العيد خلفي، الأسبوع الماضي، مسألة التنسيق الأمني بين الجزائر وليبيا خصوصا وبين دول الساحل عموما، إلى واجهة الأحداث، سيما في ظل المجهودات الأمنية التي تبدلها الجزائر لمحاربة فلول القاعدة وتجفيف منابع الإرهاب، وتهريب الأسلحة، ومنع أي تدخل أجنبي في المنطقة تحت أي ذريعة كانت. تؤشر عملية اختطاف والي إليزي من قبل مسلحين والهروب به إلى العمق الليبي، على أن مسألة تأمين الحدود البرية بين الجزائر وليبيا تحتاج إلى عمل كبير، شأنها شأن الحدود الجزائرية مع باقي دول الساحل، رغم الليونة التي أبداها الجانب الليبي وتعاونه في قضية تحرير الوالي المختطف، فقد أظهرت هذه العملية أن المخاوف التي حملتها السلطات الجزائرية حول موضوع الأمن في الساحل الصحراوي واقعية وتحتاج إلى تعامل براغماتي من منطلق أن أي من دول المنطقة ليس في منأى عن مخاطر الجماعات الإرهابية التي استفادت من شساعة المنطقة من جهة وغياب التنسيق بين دولها في مرحلة سابقة، فضلا على تواجد الدعم اللوجستيكي الذي توفره جماعات تهريب السلاح والمواد المحظورة وتجار المخدرات وتفاقم الوضع الاجتماعي والتنموي لسكان المناطق الحدودية، إضافة إلى النزاعات المسلحة في إفريقيا. ووفق هذه المعطيات سارعت السلطات الجزائرية إلى وضع مخطط أمني استعجالي لتأمين المنطقة ومحاربة الجماعات الإرهابية التي تتخذ من صحاري الساحل معقلا لها، حيث تم تأسيس القيادة العملياتية المشتركة مع مالي والنيجر وموريتانيا وليبيا، تهدف إلى تنسيق الجهود الأمنية بين دول المنطقة وتفعيل عملية تبادل المعلومات حول الجماعات الإرهابية المجموعات النشطة في مجال تهريب السلاح وتمويل الإرهابيين. كما سارعت الجزائر إلى وضع مخطط عملي يقوم على تدريب قوات من دول الجوار على محاربة الإرهاب وتدعيم بعض جيوش المنطقة بالعتاد اللازم للقيام بمهامه الإستراتيجية، وتكثيف إجراءات المراقبة من خلال إقامة حواجز المراقبة الثابتة والمتحركة، وتوفير تغطية جوية باستخدام سلاح الجو في مراقبة الحدود. وقد أدى هذا المخطط إلى نتائج إيجابية، إذ تم إحباط العديد من العمليات الإجرامية واسترجاع عشرات القطع من الأسلحة، وتقييد حركة المهربين ومختلف الجماعات الإجرامية النشطة بالمنطقة. إلا أن الانفلات الأمني الذي شهدته ليبيا والفراغ الأمني الذي عرفته الحدود الجزائرية الليبية إثر تفكك الأجهزة الأمنية الليبية بعد انهيار نظام معمر القذافي، زاد من تعقيد الوضع في الساحل خاصة في ظل التقارير الغربية والإقليمية التي تتحدث عن وصول عشرات القطع من الأسلحة بما فيها صواريخ متطورة إلى الجماعات الإرهابية، الأمر الذي يحتم على كل دول المنطقة ضرورة التوصل إلى تنسيق مشترك لبسط السلم والاستقرار في المنطقة، ويعتقد مراقبون أن الإشارات التي أطلقها الجانب الليبي على إثر حادثة اختطاف والي إليزي وتصريحات وزير الدفاع الليبي أسامة الجويلي أن وفدا أمنيا ليبيا يستعد لزيارة الجزائر لبحث التنسيق والتعاون الأمني مع الجانب الجزائري، قد تشكل منطلقا جديدا للعلاقات الثنائية بين البلدين، تماما كما هو الحال بين الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا. ومعلوم أن الجزائر تخوض معارك دبلوماسية طاحنة في المحافل الدولية والإقليمية من أجل منع أي تدخل أجنبي في الساحل، رغم المحاولات المتكررة من الدول الغربية التي وجدت نفسها أمام هواجس اختطاف رعاياها في المنطقة من قبل القاعدة، حيث رفضت الجزائر بشدة أي عمل عسكري غربي أو أمريكي في المنطقة، وكانت قد رفضت قبل ذلك مسألة إقامة قواعد عسكرية لأفريكوم في أراضي دول الساحل، ولم تكتف الدبلوماسية الجزائرية بهذا بل قدمت مشروع قرار أممي يحظر دفع الفدية للإرهابيين وهو المشروع الذي زكته دول كبرى مثل بريطانيا وأمريكا وألمانيا. وتراهن الدبلوماسية الجزائرية في شقها الأمني على ضرورة تعاون دول المنطقة بشكل فاعل وتام من أجل بسط الأمن في الساحل وتضييق الخناق على الجماعات الإرهابية، سواء بشكل متعدد الأطراف كما هو مع دول الساحل أو بشكل ثنائي كما هو مع تونس والمغرب الذي ما يزال الملف الأمني محل دراسة ومناقشة من قبل خبراء البلدين. وهو ما يرجى منه وضع حد لأي محاولة للتدخل العسكري الأجنبي في المنطقة المغاربية والساحل الصحراوي.