ذهبت مؤخرا بعض توقعات السياسيين إلى إمكانية تحصيل التيار الإسلامي ثلث المقاعد في التشريعيات المقبلة، وإن أصاب أصحاب هذه التوقعات في حساباتهم الانتخابية بالنظر لتأثيرات ما يعرف بالربيع العربي والنتائج التي حققها هذا التيار في كل من تونس والمغرب وأخيرا في مصر، فإنه ومن الناحية السياسية يمكن الجزم أن حصة الإسلاميين في البرلمان المقبل ستكون مشتتة بين 5 فصائل على الأقل ما يفرقها أكبر بكثير مما يجمعها والخلافات بينها تصل إلى حدّ الخصومة وهو ما يقود إلى القول إن التيار الإسلامي وإن منحه الشارع نسبة 30 بالمائة من المقاعد فإنه سيكون الحلقة الأضعف في البرلمان المقبل. يقلّل كثير من المتتبعين لمستجدات وتطورات الشأن السياسي الوطني من أهمية ما يجري التحضير له من مبادرات للم شمل الإسلاميين في الجزائر عشية الاستحقاقات التشريعية لخوض هذا المعترك الانتخابي كقوة موحدة من شأنها تحقيق التقدم لهذا التيار والاستفادة من التحولات التي عرفتها المنطقة العربية لاسيما نجاح الإسلاميين في العودة إلى الواجهة في كل من تونس والمغرب ومصر. ويستند دعاة الطرح القائل باستحالة لم شمل الإسلاميين في الجزائر إلى عدة معطيات أهمها المعطى التاريخي، والعودة إلى الماضي تشير بوضوح إلى أن التيار وحتى قبل التعددية الحزبية لم يعرف انسجاما أو تحالفا بين ممثليه بل على العكس تماما فإن الخلافات بين فصائل التيار الإسلامي تصل في أحايين كثيرة إلى درجة الخصومة، والشواهد على ذلك متعددة منها مقولة »الفيل والنملة« التي ردّ بها عباسي مدني على الراحل محفوظ نحناح في أول انتخابات تعددية في الجزائر، وهو الموقف نفسه الذي تكرر في كل المواعيد الانتخابية فلم يحدث وأن نجح ممثلو هذا التيار في التحالف أو التنسيق والعمل المشترك. ولعلّ أهم عوامل تشتت التيار الإسلامي في الجزائر هو صراع الزعامات بين ممثليه وغياب مرجعية فكرية وعقائدية قوية بإمكانها استقطاب التيار والتدخل متى اقتضت الضرورة لحلّ الخلافات والنزاعات داخله على خلاف تجربة الإخوان في مصر التي للتيار فيها مرجعية قوية جعلت الإخوان قوة سياسية في البلاد لها وزنها. ومن وجهة نظر المتتبعين للشأن السياسي الوطني، إن كانت الخلافات وصعوبة التنسيق أو العمل المشترك ظلت لصيقة بممثلي التيار الإسلامي في الجزائر في الماضي فإن هذا التيار اليوم أكثر تشتتا وتشرذما من أي وقت مضى والخلاف هذه المرة أعمق وأخطر، لسبب بسيط أن جميع القيادات الموجودة تسعى لتزعم وقيادة هذا التيار، وكل فصيل منها يسعى لأن يسوق نفسه كممثل للتيار الإسلامي المعتدل في الجزائر وأن يحاكي حركة الإخوان في مصر. ومن هؤلاء المتطلعين لتزعم أي تحالف إسلامي: حركة حمس التي خرجت من التحالف الرئاسي وعادت إلى المعارضة في محاولة لقيادة التيار الإسلامي، وعبد الله جاب الله العائد إلى الساحة السياسية بعد تجربتين مريرتين في النهضة والإصلاح، وغير بعيد عن الرجلين اللذين يريان في نفسيهما الأكثر قدرة على القيادة، نجد عبد المجيد مناصرة وجمال عبد السلام وكل منهما يسعى لإثبات نظرية إمكانية النجاح بعيدا عن عباءة الزعامة وأنه سيكون رقما مهما في التيار الإسلامي، يضاف إليهما حركتي الإصلاح والنهضة وكذا الحزب الجديد الذي أسسه محمد السعيد والمحسوب هو الآخر على التيار الإسلامي وهو ما يجعل له نصيب في الوعاء الانتخابي للإسلاميين. وبالنظر لكل ما سبق فإن القول بإمكانية تحصيل التيار الإسلامي لنسبة 30 أو حتى 35 بالمائة من المقاعد في التشريعيات المقبلة هو طرح مقبول من الناحية النظرية والحسابية لما تمثله النتائج التي حققها التيار في كل من تونس والمغرب ومصر من تأثير على الناخب الجزائري بيد أنه وفي المقابل فإن هذه الحصة ستتوزع وتتشتت بين 5 فصائل على الأقل وإمكانية التحالف بينها داخل البرلمان تكاد تكون مستحيلة وهو ما سيجعل التيار الإسلامي حتى وإن حقق هذه النتيجة في تشريعيات ماي هو الحلقة الأضعف في البرلمان المقبل.