يروي رضا مالك الذي كان المتحدث الرسمي باسم الوفد الجزائري إلى إيفيان في مارس 1962، وكونستانتان ميلنيك الذي كان المستشار المقرب جدا من رئيس الوزراء ميشال دوبري لوكالة »فرانس برس« قصة اتفاقيات إيفيان بعد 50 عاما على توقيعها. الاتفاقيات التي نصت على استقلال الجزائر وقعت في 18 مارس 1962على ضفاف بحيرة ليمان على الحدود الفرنسية السويسرية، بعد اتصالات سرية بدأها دوبري بين جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية. وبعد 50 عاما على توقيع الاتفاقيات يقول رضا مالك »81 عاما« المتحدث باسم الوفد الجزائري أن سبب الخلاف كان »إصرار ديغول على الاحتفاظ بالصحراء ما أطال الحرب سنة أخرى«. كما اصطدمت المفاوضات بعدم الاتفاق على وضع مليون أوروبي يعيشون في الجزائر وبمحاولة ديغول الاحتفاظ بقواعد عسكرية في الجزائر كما هو الحال في قاعدة مرسى الكبير بوهران التي أراد أن يجعل منها »جبل طارق فرنسي«. وأكد أن »الفرنسيين أبلغونا أن السيادة الجزائرية أصبحت مضمونة شرط أن نعطيهم القليل من النفط«. وبدا الجزائريون غير قابلين للتفاوض حول وحدة الأراضي لكنهم أبدوا بعض »المرونة« حول القواعد العسكرية كما في رقان بالصحراء التي أجرى فيها الفرنسيون 18 تفجيرا نوويا بين 1960 و1966. من جهته يذكر ميلنيك »84 عاما« مسؤول التنسيق بين أجهزة المخابرات في قصر ماتينيون »مقر الحكومة الفرنسية« من جانفي 1959 إلى أفريل 1962 أن الجنرال شارل ديغول بدأ يتحدث عن »سلام الشجعان« أكتوبر 1958 و »تقرير المصير« سبتمبر 1959 ثم »جمهورية جزائرية« في نوفمبر 1960«. وأوضح مؤلف كتاب »التجسس على الطريقة الفرنسية« أن هذه المواقف نجمت عن اقتناع ديغول »البراغماتي جدا«، بمجرد عودته إلى تسيير البلاد في 1958، بأن الوضع في الجزائر التي اشتعلت فيها الحرب منذ أربع سنوات، يجب أن يتطور. وشهد ميلنيك كل المحادثات السرية بين ممثلي جبهة التحرير أو الحكومة الجزائرية المؤقتة وممثلي الحكومة الفرنسية، بينما كان ديغول يأمل في أن يضع »المتمردون« السلاح قبل أي مفاوضات. وأضاف أن الاتصالات الأولى التي جرت في جوان 1960 في مولان جنوب باريس لم تدم طويلا لأن ديغول قال »نحن لا نتفاوض مع عريف أول«، مشيرا بذلك إلى أحمد بن بلة الذي عمل في الجيش الفرنسي كصف ضابط وتلقى وساما سنة 1944. وتابع يقول أن »البداية الحقيقية للمفاوضات السرية« كانت في نوفمبر 1960 والاتصالات الأولى أجراها الصحافيان شارل هنري فافرود وألبير بول لونتان من مجلة »لوبسيرفاتور« بموافقته وبأمر بمهمة رسمي موقع منه. وقال الرجلان بوساطة بين جاك لوكان من مصلحة مكافحة التجسس وجبهة التحرير التي وافقت على التفاوض »شرط أن يبقى الأمر سريا«. وتأخرت المفاوضات بسبب محاولة انقلاب الجنرالات المعارضين لاستقلال الجزائر قبل أن يبدأ أول اجتماع في ايفيان في 20 ماي 1961 لكنه فشل وتوقفت المفاوضات في 13 جوان واستؤنفت بعد ذلك بسرية تامة في مقاطعة جورا. وتم استئناف المفاوضات في ايفيان في 2 مارس 1962 وتوجت بالتوقيع على الاتفاقيات التي تحمل اسم المدينة في 18 من نفس الشهر من طرف لويس جوكس وزير الشؤون الجزائرية في حكومة ديغول ووفد الحكومة الجزائرية المؤقتة بقيادة عقيد جيش التحرير الوطني كريم بلقاسم. وتم التصديق على استقلال الجزائر في استفتاء شعبي في فرنسا في الثامن من أفريل 1962 وآخر في الجزائر في الأول من جويلية،وأعلنت الجزائر استقلالها يوم 5 جويلية 1962 بعد 132 سنة يوما بيوم من غزو القوات الفرنسية لها واحتلالها. وفي حديث خص به وكالة الأنباء الجزائرية عشية الاحتفال بالذكرى ال50 لاتفاقيات إيفيان، أكد رضا مالك أن العلاقات الجزائرية الفرنسية لا زالت تحمل على عاتقها الذاكرة المشتركة لا سيما من خلال خرجات المحنين إلى أكذوبة »الجزائر فرنسية« والتصريحات الإنتخابوية التي تليها، واعتبر أن »العلاقات الجزائرية الفرنسية معقدة«، موضحا أنها »تعاني من خرجات المحنين و التي يزيد من تعقيدها التصريحات الإنتخابوية«. ويرى مالك أن استقلال الجزائر »كان رفضا للعديد من الطابوهات التي تم نسجها حول الاستعمار منها الجزائر فرنسية«. وهذا ما يفسر حسب الناطق باسم وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بإيفيان أن المحنين للاستعمار الذين لا يزالون على قيد الحياة »يبقون مترددين إزاء اتفاقيات ايفيان التي وضعت حدا لسبع سنوات من الحرب«، وأضاف أن هذه الخرجات غالبا ما تثير انعكاسات »سلبية« و ردود فعل »شرعية« داخل الرأي الجزائري، وذكر في هذا الصدد المصادقة في فيفري 2005 بفرنسا على قانون يمجد الاستعمار وكذا كل جوانبه الايجابية، معتبرا أنه من »الشرعي أن يطالب الجزائريون بتعويضات« حول عمليات الإبادة التي اقترفت بالجزائر خلال 130 من الاستعمار«.