كانت طالبة شابة عندما قامت بالعملية وهي مجاهدة في صفوف جبهة التحرير الوطني يوم 30 سبتمبر 1956«، بهذه العبارات قدمت مجلة »مارين« الفرنسية، المجاهدة وعضو مجلس الأمة، زهرة ظريف، في حوار شيق، روت فيه ظريف تفاصيل عن التحاقها بصفوف جبهة التحرير الوطني، وكيف قامت بوضع قنبلة في »ميلك بار«، وبالرغم من صراحة المتحدثة، إلا أن المجلة فضلت أن تعرض صورة المجاهدة زهرة ظريف وهي تحمل البندقية وعلقت على الصورة بان زهرة ظريف تحولت إلى إرهابية ومن ثم مسؤولة سياسية جزائرية. *كيف التحقت بصفوف جبهة التحرير الوطني؟ كنت طالبة في كلية الحقوق بالعاصمة، مع سامية لخضاري وكنا نبحث عن هذا الأفلان الأسطوري، وبواسطة بوعلام أوصديق، وهو طالب أخر ربطنا العلاقة مع الجبهة. في البداية تم تكليفنا بنشاطات اجتماعية لدعم عائلات المجاهدين أو الشهداء ولكن هذا النوع من النشاط لم يكن ملائم بالنسبة لي ولسامية، وكنا نسعى لان نكون طرفا فاعلا في كفاح الشعب الجزائري تحت لواء الأفلان وبالفعل فغن القرار أثار مفاجأة البعض الذين كانوا يرون فينا صورة لبنات بورجوازيات يسعين لاقتحامك صفوف الأفلان. وقد قامت سامية لخضاري باتصال أولي مع جماعة بالقصبة ورتبت موعدا بأسفل شارع »روندو«، أما أنا فخرقت كل القوانين التنظيمية ورافقتها والمفاجأة أن فتاة جميلة كانت في استقبالنا، لم يكن لديها أي علاقة بصورة فاطمة المرأة الجزائرية التقليدية، تلك المرأة كانت جميلة بوحيرد، وفيما بعد التقت سامية بعسكريين وكانت مبهورة بأحدهم الذي كان في تصورها صورة شبيهة للمثل مارلون بروندو، وكان يبدو وكأنه هو القائد وهو ياسف سعدي. ويجب أن نعلم أن الأفلان كان يعطي صورة حقيقية للمقاومة وكنا بعيدين كل البعد عن تلك الصورة التي كانت تروج لها الدعاية الاستعمارية والتي تظهر المناضلين على أساسا أنهم فريق من المافيا. *يوم 30 سبتمبر قمت بوضع قنبلة في الجهة الأوربية للمدينة؟ شهور مضت على عمليات قام بها متطرفون باسم الجزائر فرنسية ووضعوا قنابل في أحياء جزائرية والنتيجة مئات من الضحايا والعملية تمت بالتواطؤ مع أعوان الشرطة لترهيب الشعب الجزائري الذي كان يساند الأفلان. هذه الحملة من القنابل توجت يوم 10 أوت 1956 بعملية شارع تبس، حيث تم وضع قنبلة على الساعة الواحدة صباحا خلال حظر التجوال واليت تسببت في مجزرة بسبب انهيار عدد كبير من المنازل على السكان، مئات القتلى والجرحى. وبالطبع فإن الشرطة الفرنسية لم تحرك ساكنا. أما خارج العاصمة فقد قام الجيش الفرنسي بتدمير القرى والاعتداء على المواطنين العزل وتم قصفهم بالقنابل، كما تم ترحيل المئات بل الآلاف ووضعهم في محتشدات في إطار حرب شاملة ضد الشعب الجزائري حتى يفقد الثقة في قدرات الأفلان في القتال وفي حمايته. *ومن هذا المنطلق قمت بوضع قنبلة »ميلك بار«؟ نعم كان هذا هو الهدف الذي تقرر من طرف قيادة الأفلان وهو نقل الحرب إلى قلب الأحياء الأوربية التي تضم الفرنسيين والذين كانوا طرفا فاعلا في الحرب التي كانت موجهة ضد الجزائريين من خلال مطالبتهم بالحماية بأي ثمن. وبالفعل قمت بذلك بحرية وبقناعة كنت أشارك فيها القراءة السياسية للقيادة التي كنت تحت لوائها. *عندما وضعتي هذه القنبلة، هل كنت تعلمين انه بإمكانك قتل أبرياء؟ لست أنا من يجب مطالبته بتقرير عن هذه القنبلة، بل يجب مساءلة السلطات الفرنسية التي قهرت الشعب الجزائري منذ سنة 1830 باستعمالها لكل الأساليب الوحشية والبربرية. وما هو ذنب ملايين من الجزائريين الذين قتلوا منذ هذا التاريخ؟ وما ذنب القرويين الذين تم قصفهم بالنابالم، وما ذنب ضحايا هذه الحرب الشاملة التي خاضها الجيش الفرنسي رابع قوة عسكرية في العالم مدعومة بالحلف الأطلسي؟ أنا لم أولد لأقتل ولم أجد أي متعة شخصية عندما وضعت القنبلة، لكننا في حرب فرضت علينا منذ تاريخ 1830. وكما قال الشهيد العربي بن مهيدي للجنرال بيجار، بعد أن تم توقيفه ليقتل بعدها، »كنا سنرضى عن طيب خاطر أن نقايض قففنا ضد طائرات ودبابات الجيش الفرنسي«. *هل تشعرين بالكره؟ أبدا، لم ننشأ بثقافة الكره، كما أن الأفلان ومنذ الفاتح من نوفمبر 1954 أعلن أنه الرحب هي حرب ضد الاستعمار وليست ضد الشعب الفرنسي وقد ساندنا عديد من الفرنسيين وبشجاعة كبيرة لأنهم كانوا على دراية بأنه من واجبهم أن يظلوا أوفياء للمثل العليا التي حملتها الجمهورية الفرنسية. *العلاقات الجزائرية الفرنسية ما تزال رهينة التوبة، كيف يمكن أن تكون علاقات عادية بين الشعبين؟ قلت لكم أنه لم يكن هناك أي شعور بالكره اتجاه الشعب الفرنسي وهو ليس شعار أقوله أو أحمله، بل هو واقع أراه كل يوم أمامي. وعليه لا يوجد أي مشكل بين الشعبين، وهذا لا يمنع من وجود مشكل فرضه قانون تمجيد الاستعمار، إضافة إلى مشكل تطرحه الخطابات السياسية تريد أن تجعل من اعتذار فرنسا عن جرائمها المرتكبة في الجزائر ظلما. وهذا ما لا أطيقه. ويجب أن نعلم أن التاريخ سيسجل أن جرائم خطيرة ارتبكت ضد الإنسانية بالجزائر منذ تاريخ 1830 إلى غاية 1962. وعندما يستفيق الشعب الفرنسي ويعي ما حدث سيقرر لا محال الاعتراف.