شاء القدر أن يرحل عنا رمز كبير وواحد من أبرز رجالات الجزائر الكبار، المناضل المجاهد والرئيس أحمد بن بلة، رحمه الله وطيب ثراه وأكرم مثواه في جنة الرضوان. لقد نذر الراحل العزيز كل حياته لخدمة وطنه، تعلقت همته منذ شبابه بالمثل العليا في الحرية والسيادة، حيث انتمى في ريعان الشباب إلى الحركة الوطنية مناضلا إلى أن اندلعت ثورة نوفمبر المجيدة، فكان الفقيد واحدا من مجاهديها البواسل، أدى رسالته على أكمل وجه، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها وانتزع الشعب الجزائري حقه في الاستقلال والسيادة والحياة الكريمة، طفق المرحوم بنفس الإرادة والتصميم يواصل رسالته الوطنية في قيادة الدولة الجزائرية المستقلة. إن الدرس الذي نتعلمه من الرئيس الراحل هو أن حب الوطن ليس مرهونا بمناصب أو مسؤوليات أو مواقف موسمية أو ردات فعل، إنما هو إيمان يجب أن يرسخ فينا، تلهج به ألستنا وتنطق به أفئدتنا ويتجلى في ممارساتنا، لذلك ظل أحمد بن بلة، على مدى العقود الخالية، عاشقا للجزائر، سواء كان في الحكم أو خارجه، وكان رمزا للتسامح والمصالحة وثقافة السلم والتآخي، إذ تبنى سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية، وكان مساندا قويا لهذا المسعى، حريصا على ما يجمع الجزائريين، نابذا للعنف، مدافعا شرسا عن وحدة الوطن ترابا وشعبا. لقد خسرت الجزائر في المرحوم الرئيس أحمد بن بلة واحدا من أبنائها البررة، ولئن غيب الموت هذا الوطني الوفي جسدا، فإنما ذكراه باقية في القلوب ورصيده النضالي وإخلاصه الوطني ذخرا تقتدي بهما أجيال الجزائر، جيلا بعد جيل، في الاستمساك بتلك القيم الخالدة التي من أجلها عاش ومات على غرار كل المخلصين الأوفياء من أبناء الجزائر. لقد حفظ تاريخ الجزائر الحديث بصمات واضحة للراحل، سواء إبان مرحلة الكفاح المسلح أو خلال مرحلة بناء الجزائر المستقلة، إذ عاش حياته مؤمنا بأولوية المصلح الوطنية على سائر الاعتبارات الأخرى، حريصا على بناء الدولة الجزائرية التي أوصى بها الشهداء الأبرار، لذلك كله ظل يحظى بمكانة رفيعة لدى أبناء الجزائر ويحتل موقعا مرموقا بين الشخصيات العربية والإسلامية والإفريقية. إننا نودع المرحوم بحزن عميق وألم كبير، وإذ نقدم تعازينا الخالصة، باسم حزب جبهة التحرير الوطني، إلى عائلة الفقيد وأسرته الكبيرة، فإننا نعزي أنفسنا في فقدان هذا الرمز الذي جمع صلابة المناضلين وشجاعة المجاهدين وأخلاق الرجال وزبدة الوطنية الصافية. رحم الله فقيد الجزائر وعوضها عنه خيرا في أبنائها المخلصين الذين يحملون وطنهم في قلوبهم كما حمله الرئيس الراحل طيلة حياته وما بدل تبديلا. إننا نتضرع إلى المولى عز وجل أن يتغمد فقيدنا برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جنانه وأن يلهم أسرته الكريمة وإخوانه من المجاهدين والمناضلين وكل المواطنين جميل الصبر والسلوان، إنه سميع مجيب الدعاء. الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني