حين يرحل رمز كبير في حجم المناضل المجاهد والرئيس أحمد بن بلة، فهذا يعني أن الجزائر تطوي مرحلة هامة من تاريخها وتفقد واحدا من رجالاتها الكبار، نذر كل حياته لخدمة الوطن والشعب، تعلقت همته منذ شبابه بالمثل العليا في الحرية والسيادة. أحمد بن بلة من ذلك الرعيل، الذي انتمى في ريعان الشباب إلى الحركة الوطنية مناضلا صلبا إلى أن اندلعت الثورة المجيدة، فكان الفقيد واحدا من مجاهديها البواسل، أدى رسالته على أكمل وجه، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها وانتزع الشعب الجزائري حقه في الاستقلال والسيادة والحياة الكريمة، طفق المرحوم بنفس الإرادة والتصميم يواصل رسالته الوطنية في قيادة الدولة الجزائرية المستقلة. إن الدرس الذي نتعلمه من الرئيس الراحل هو أن حب الوطن ليس مرهونا بمناصب أو مسؤوليات أو مواقف موسمية أو ردات فعل، إنما هو إيمان يجب أن يرسخ فينا، تلهج به ألستنا وتنطق به أفئدتنا، لذلك ظل أحمد بن بلة، على مدى العقود الخالية، عاشقا للجزائر، سواء كان في الحكم أو في الزنزانة أو في المعارضة، كان رمزا للتسامح والمصالحة، إذ بمجرد إطلاق سراحه عام 1984 جسد تسامحه النبيل بإصراره على عدم الإساءة لمن أطاحوا به، بل كان حريصا على التعبير عن تقديره للرئيس الراحل هواري بومدين. وعندما تولى عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم وتبنى سياسة الوئام والمصالحة الوطنية، كان الرئيس الراحل أحمد بن بلة مساندا قويا لهذا المسعى، حريصا على ما يجمع الجزائريين، نابذا للعنف، مدافعا شرسا عن وحدة الوطن ترابا وشعبا. لقد خسرت الجزائر في المرحوم الرئيس أحمد بن بلة واحدا من أبنائها البررة، ولئن غيب الموت هذا الوطني الوفي جسدا، فإنما ذكراه باقية في القلوب ورصيده النضالي وإخلاصه الوطني ذخرا تقتدي بهما أجيال الجزائر، جيلا بعد جيل، في الاستمساك بتلك القيم الخالدة التي من أجلها عاش ومات على غرار كل المخلصين الأوفياء من أبناء الجزائر. رحم الله فقيد الجزائر وأسكنه فسيح جنانه وأن يلهم أسرته الكريمة وإخوانه من المجاهدين والمناضلين وكل المواطنين جميل الصبر والسلوان.