استطاع الباحث في علم الاجتماع السياسي الجزائري هواري عدي، أن يدير مائدة مستديرة حول الماضي والحاضر الجزائري، مشركا أكثر من 200 حاضر في اللقاء للتطلع نحو مستقبل الجزائر، التي تحتفل اليوم بمرور نصف قرن عن هذا الاستقلال. وصفه عدي بالتاريخي والمشرف، محتفظا لنفسه بجملة من الرؤى السياسية –تصلح- لو استفادت من هذا السياق لصالح أجيال لم تعايشه تماما. قال عدي » يجب دائما العودة إلى السياق التاريخي في تحليل المجتمعات مهما اختلفت أجناسها وأطيافها ودياناتها، الجزائر بلد أستعمر أكثر من قرن من الزمان، وعليه يجب النظر إلى الماضي لفهم التطور الحاصل في الجزائر منذ الاستقلال وإلى اليوم«. واعتبر عدي أن الجزائر بصدد وضع خطة حضارية لتكوين وصنع مجتمع مدني مبني على المواطنة الحقة، التي لا يعيها الجزائري كمصطلح سياسي تماما » المواطنة مفهوم غير واضح للأسف بالنسبة للجزائريين«، مؤكدا أنه »منذ الاستقلال تم تكوين مجتمع شعبوي تكملة للنظام الاستعماري الذي تم مواجهته بالجماعة لا بالأفراد، لذا الاستقلالية التي تصنع المواطن بوعيه بحقوقه وواجباته غير موجودة في الجزائر حسبه، هذا الأمر الذي خلق التشرذم والتبعية للآخر، فالمجتمع المدني ينبني بالنقابات والجمعيات المستقلة والعدالة والقضاء المستقل أيضا«. هذه الاستقلالية التي شرحها عدي بالغير موجودة قائلا:» لدينا اليوم دولة تعمل خارج إطارها المجتمعاتي والمؤسساتي، فهذه الأخيرة مجتمعة بالإضافة إلى النقابات العمالية والمجالس الإدارية تكون بوجودها مستقلة المجتمع المدني، التي باختلاف تصوره للأشياء يعطي في النهاية مجتمعا مدنيا حضاريا، لكن للأسف لا نزال نعيش بمنطق»الشعوبية« لا بمنطق» المجتمع«، وهذا ما عسر البناء عندنا على حد تعبيره. ورافع عبد الرحمان حاج ناصر، أول أمس، الذي نشط الأمسية رفقة هواري عدي، في لقاء نظمته المواطن رفقة منشورات دار البرزخ قائلا:» أظن أنه في الجزائر الهيئة الوحيدة التي حافظت على استقلالياتها وأمنها هي »الجيش«، الأمر الذي خلق التوازن بين معظم الفئات الاجتماعية والسياسية، فوجودها كبناء قوي انعكس على المجتمع المدني إجمالا«. وختم عدي الأمسية مؤكدا أن الربيع العربي الذي اكتسح معظم الدول العربية، لا يخيف الجزائريين، لأنهم اليوم سيصنعون هذا الربيع بالعمل البشري، معربا عن عدم تخوفه من صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم ، شرط أن يعمل بالتعدد الذي أقر به الإسلام كدين وسط يحترم الرأي والرأي الآخر.