تعرف حركة »حمس« ومنذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية حالة من المخاض والتجاذب العلني أحيانا والمستتر والمخفي غالبا، والمؤكد في كل هذا أن الأيام القادمة لا يبدو أنها تحمل الأحسن لحركة الراحل محفوظ نحناح؛ فقرار مجلس شورى الحركة بعدم المشاركة في الحكومة لا يشي بظهور حركة تصحيحية جديدة بعد تلك التي قادها مناصرة، وإنما يهدد بزعزعة كيان الحركة بالكامل إذا ما صحت الأخبار المتداولة حول مشاركة عمار غول في الحكومة إذا ما دعي إليها. قد يحاول البعض التقليل من شأن الأزمة الحالية التي تشهدها حركة حمس على خلفية حالة التجاذب والصراع على موضوع المشاركة في الحكومة القادمة من عدمها ، لكن الذي قد يغيب عن الأذهان هو أن ما بات بعرق بأزمة »غول- حمس« اذا جازت التسمية ما هي إلا الشجرة التي تخفي الغابة. يعلم المتابعون للشأن السياسي في الجزائر وخاصة الحركات الإسلامية أن حزب حركة مجتمع السلم ومنذ وفاة المؤسس والأب الروحي للحركة الراحل محفوظ نحناح دخل الحزب في أتون صراعات وتجاذبات بين قيادات الحركة، لكن الانضباط والتنظيم الذي يطبع ويميز حمس حال دون تفجر الوضع بشكل علني ومؤثر، لكن بمجرد إعادة انتخاب أبوجرة سلطاني في المؤتمر الرابع للحركة أعلن عبد المجيد مناصرة بمعية عدة أسماء من الوزن الثقيل في الحركة مثل فريد هباز وأحمد الدان عن انشقاقهم وتشكيل حزب جديد، ومع ذلك نجحت حمس نسبيا في تجاوز هذه الهزة الارتدادية وحافظت على علاقاتها داخل التحالف الرئاسي وأيضا داخل الجهاز التنفيذي وفاءا واستمرار لنهج مؤسس الحركة محفوظ نحناح في التعامل مع السلطة وهو »المشاطعة« ؛ أي المشاركة في الجهاز التنفيذي والمحافظة على علاقات طيبة مع الفاعلين على الساحة السياسية وتبني خطاب إعلامي وسياسي حاد نسبيا موجه للقواعد فقط، من دون أن يكون له تأثير يذكر على التوجه العام للحركة. لكن بعد انشقاق مناصرة وصحبه عن الحزب وتعالي الأصوات داخل مجلس شورى الحركة المطالبة بتغيير نهج الحركة حتى لا تتكرر تجربة مناصرة من جديد بدأ ابوجرة سلطاني يغير من نبرة خطابه السياسي وحاول تسويق نفسه كمعارض راديكالي من دون أن تكون له الجرأة في الجهر بالحديث عن الخروج من التحالف الرئاسي، ومع اقتراب الانتخابات التشريعية بعد إعلان الرئيس عن خطة الإصلاحات وأيضا بالنظر إلى صعود التيار الإسلامي السياسي وتحديدا الإخوان المسلمين في العديد من البلدان التي عرفت ما سمي ب »الربيع العربي« كلها عوامل يبدو أنها أثرت على حسابات قادة حمس الذين اعتقدوا أنه بإمكانهم استثمار هذه اللحظة السياسية التي تعرفها بعض البلدان العربية ونقل التجربة إلى الجزائر بدليل الرحلات المكوكية التي قادت أبوجرة إلى كل من تونس وقطر وتركيا. لكن نتائج التشريعيات الأخيرة أخلطت حسابات أبوجرة وحلفائه في الحركة وأدركوا أن نجاحهم في تأجيل انفجار الأمور داخل الحركة طوال الفترة الماضية يتهدده الخطر، إذا لم يبادروا بخطوة استباقية لتجنب ارتفاع الأصوات الغاضبة والمطالبة برحيلهم؛ سواء القواعد أو داخل مجلس الشورى، وهو الأمر الذي يفسر التشنج والحدة التي طبعت تصريحات سلطاني ومقري مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات، وكان مسك الختام هو قرار حمس مقاطعة الجهاز التنفيذي، ومع بداية ظهور بعض التململ، خاصة بعد خرجة عمار غول أثناء الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد ، حين رفض مغادرة القاعة أو مشاركة زملائه الحركة الاستعراضية برفع أوراق مكتوب عليها لا للتزوير، بل ذهب غول أبعد من ذلك حين وصف هذه الحركة بالمراهقة السياسية، خرج سلطاني من جديد وفي بيان شديد اللهجة ليؤكد أن حمس لن تشارك في الحكومة القادمة وهي رسالة واضحة لم ولن تخطئها عين عمار غول وحلفائه داخل البرلمان والحركة وهم قطعا ليسوا أقلية. أيام أو أسابيع قليلة ويعلن الرئيس بوتفليقة عن تشكيلة الحكومة القادمة وإذا حدث وأن كان عمار غول ضمن هذا الفريق قطعا ستكون هذه هي رصاصة الرحمة التي تتلقاها حمس التي لا تستطيع ولا تحسن السباحة بعيدا عن الجهاز التنفيذي والسلطة بشكل عام .