خبر في غاية الأهمية والدلالة نشرته الصحافة الجزائرية خلال زيارة الرئيس بوتفليقة لطهران. يقول الخبر أن إيران دعت الجزائر لمنح كرسي للغة الفارسية في الجامعة الجزائرية، أي جامعة، سواء في العاصمة أو في الغرب أو في الشرق أو حتى في الجنوب النائي. عندما نقرأ مثل هذا الخبر ندرك سر النهضة الفارسية، نفهم لماذا إيران أصبحت "تخيف" الغرب، ونهضم التطور الإيراني في عدد متنوع من المجالات بما في ذلك النووي. لقد بدأت إيران تأخذ مكانتها بين مصاف الدول "المحترمة" وهي – إذا سارت الأمور بشكل عادي ولم تتكالب عليها "الدول المارقة" بقيادة أمريكا وإسرائيل - في طريقها لكي تصبح سيدة الشرق الأوسط بلا منازع. في حوار أجرته معي "قدس بريس" من لندن، تحدثت عن كل ما يمكن توقعه من نتائج زيارة بوتفليقة لطهران، من كارتل الغاز، إلى الملف النووي الإيراني، إلى التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، إلى صناعة السيارات، إلى البناء وغيرها، ولم يخطر على بال أحد أن تطلب إيران تخصيص كرس للغتها في جامعات الجزائر. إنه سر النهضة، فاللغة هي عنوانك، وهي وسيلة توغل ونفوذ سياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي.. فهيب ليست محايدة أبدا. غير بعيد عن إيران، فتركيا هي أيضا دولة محورية في المنطقة، وهي القومية الأخرى التي لها كلمتها في شؤون المنطقة، تعتز بلغتها برا وبحرا وجوا. يكفي أن تسافر على متن الخطوط الجوية التركية لأي بقعة في العالم، لتعرف كيف يخاطبك الأتراك بلغتهم. وبين القومية الفارسية والقومية التركية تجد العرب الذي كان لهم شأن في المنطقة.. ذابت هويتهم في لغات غيرهم، خاصة الإنجليزية والفرنسية. فشوارعنا حبلى باللغة الأجنبية، ومدارسنا تعلمنا مختلف العلوم باللغة الأجنبية، حتى العلوم الإنسانية يتم تعليمها باللغات الأجنبية، وساستنا يخاطبون نظراءهم باللغة الأجنبية، ويخاطبون شعبهم باللغة الأجنبية، وقد يأتي اليوم الذي يتم فيه تعليم الصلاة والوضوء بلغة غيرنا. لقد زرت عدة دول عربية لم أشعر إطلاقا أنني في بلد عربي. أضعنا اللغة فأصبحنا بدون عنوان، بدون هوية، بدون هيبة، بدون كرامة. أيها الفرس كم أنتم جديرون بالتفوق والاحترام. ! نحن العرب نتخفى دائما بشيئين اثنين كحق يراد منه باطل، الأول هو حديث نبوي شريف "من تعلم لغة قوم آمن شرهم"، وهذا صحيح وغير قابل للنقاش. لكن تعلم لغات الآخرين، لا يعني التضحية بلغتنا أبدا. والثاني شعار "الانفتاح على لغات العالم"، وهو شعار صحيح أيضا ولا يجادلك فيه عاقل على الإطلاق. بيد أن ساستنا يفرضون علينا تحت غطاء هذا الشعار لغة واحدة فقط، هي في الغالب لغة المستعمر. وباسم الحديث النبوي والشعار معا يجب أن ندعو إٍلى منح كرس في جامعات الجزائر وثانوياتها ومدارسها لعدد من اللغات العالمية ويكون الاهتمام بهم على قدر المساواة، من الفرنسية، إلى الإنجليزية، إلى الإسبانية إلى الفارسية إلى التركية، إلى الصينية.. ودع التلاميذ والطلبة وأوليائهم يختارون اللغة التي يريدون.. وعلى الدولة أن توفر الكوادر البيداغوجية من الهند أو السند أو حتى المريخ.. !