ري من أين يستمد عسكر موريتانيا كل هذه القوة التي تسمح لهم بتحدي أمريكا والاتحاد الأوروبي وإرسال وفد للتفاوض في باريس حول شروط عودة المدنيين إلى الحكم. الاتحاد الأوروبي يقول إنه سيفكر في تسليط عقوبات على موريتانيا إذا فشلت المباحثات التي ستعقد على جولات كثيرة، والأكيد أن الانقلابيين في نواكشوط يشعرون بأن لديهم فسحة من الوقت للتفكير وهم لا يترددون في طرح مطلبهم الأول أمام الفرنسيين والاتحاد الأوروبي وهو عدم السماح للرئيس المخلوع بالعودة إلى منصبهم مهما تكن صيغة الاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه. الأمريكيون من جهتهم اكتفوا باتخاذ قرار يحظر السفر على بعض قادة الانقلاب وهذا القرار هو مزحة ثقيلة لا تقدم ولا تؤخر لأن الانقلابيين في العادة لا يحبون الأسفار إلى خارج بلدانهم لأنهم يعلمون جيدا أنها تغري زملاءهم الطامعين في السلطة بتجريب حظهم بانقلاب آخر، ومن هنا فإن هذه القرارات التي تهدف إلى الحفاظ على ماء الوجه تبطن تشجيعا للانقلابيين على التمادي وهو ما يحيلنا على السؤال التقليدي الذي يطرح غداة كل انقلاب في العالم الثالث " هل كان للانقلاب أن يحدث أو أن ينجح لو لم يكن هناك ضوء أخضر من الغرب ؟. دولة مثل فرنسا لا يمكن أن تتصرف بهذه المرونة مع الانقلابيين في موريتانيا إلا إذا كانت قد أشارت لهم بالبدء في التحرك أول مرة، وأمريكا التي نصبت نفسها حاميا للديمقراطية لا يمكن أن تتساهل مع الانقلاب وقادته إلا إذا كانت ترى في الصمت مصلحة، والأمر هنا لا يتعلق بالبكاء على الديمقراطية في موريتانيا لأن المسرحية كانت أكثر وضوحا إلى درجة أن الخدعة لم تنطل على أحد. الأوروبيون والأمريكيون يريدون ضمانات لحماية مصالحهم، والرئيس الموريتاني المطاح به اتخذ العسكر مطية لبلوغ السلطة وما حدث هو مجرد اختلاف على الأولويات والأدوار، وهذا درس مهم للشعوب التي تنتظر الفرج من وراء البحر.