حدث لي أن كنت أشاهد على شاشة التلفزيون شابا فلسطينيا يبكي على صدر أخيه الشهيد الذي اغتالته رصاصات المجرمين الصهاينة. ثم تساءلت ما باله " يندب " ؟ وفجأة عدت إلى رشدي ، شعر رأسي تحرك فوقي .. لقد فقد عزيزا .. قتله المحتلون .. من حقه أن يشعل الدنيا كلها بكاء ، من حقه أن يغرق العالم كله في دموعه ، من حقه أن يحول دموعه إلى سلاح إذا تمكن من ذلك، من حقه أن يحول شهداءه إلى ذخيرة حية فتاكة مثلما قال الراحل الكبير محمود درويش. ماذا أصابنا لم نعد نشعر بالإنسانية، فقدنا الإحساس ، لم تعد تثيرنا حتى مشاعر الموت المقدسة، لذلك صمت العالم أجمع والعالم العربي بوجه خاص أمام " إبادة غزة " بالحصار ومنع الماء والدواء والوقود والغذاء .. أطفال يموتون أمامنا .. بدون أن يتحرك شيئ بداخلنا .. هل مات الإنسان فينا ؟ حتى الأممالمتحدة .. مجلس الأمن نفسه أصبح لا يبالي بالجريمة .. إنه يتفرج. نعم ، لقد أصبحنا لا نشعر بالأموات، ولا بالشهداء من شدة تكرار مشاهدها علينا .. دخلت قاموس " العادي " وهي غير عادية. لقد صدق الفلاسفة حين قالوا : " إن العادة تجعل الإنسان لا يشعر ". ماذا أصابنا .. حتى الأخبار التي ليست فيها دماء وجثث أو دموع على الأقل .. لم تعد صالحة للنشر في الصحافة أو البث عبر الإذاعة والتلفزيون .. حتى التسلية .. أصبحت التلفزيونات تمطرنا بأزيد من ألف قناة يمكن التقاطها يوميا بأفلام العنف والجريمة، وصرنا نتلذذ بالقتل .. ونفرح للبطل حين يقتل .. حين يسفك الدماء .. والجريمة أصبحت إلكترونية .. على حد تعبير الكاتب فؤاد زكرياء في كتابه " العرب والنموذج الأمريكي " ، بما توفره التكنولوجيا من أسلحة فتاكة وسهلة الإستخدام. حتى الأطفال أصبحوا مسلحين ويرتكبون الجرائم داخل المدارس .. إن المنتجين للتكنولوجيا .. منتجون للأسلحة، جعلونا بأسلحتهم نقتل الإنسان بداخلنا. المخرج السينمائي الأمريكي الكبير مايكل مور ، أنجز فيلما وثائقيا عن " الجريمة في أمريكا " .. مشيرا إلى أنها أصبحت ظاهرة خطيرة تجتاح الولاياتالمتحدة. ثم قارن بينها وبين كندا باعتبارها جارة لها .. في نفس فترة إنجاز الفيلم سجلت عشرات بل مئات الجرائم في أمريكا .. وحدثت جريمة واحدة في مدينة كندية حدودية لأمريكا . يقول مايكل مور : " بكل أسف ارتكبها أمريكي " .. هاهي قاعدة القتلة : أقتل ، أقتل واقتل ، ثم أقتل أيضا .. حتى يصبح القتل أمرا عاديا .. لذلك فقدنا الإحساس ، ولم نعد نشعر بالشباب والأطفال وهم يفارقون الحياة في عمر الزهور.