توقفت عن الكتابة المنتظمة منذ عدة أسابيع لمجرد أنني أصبحت أحس بالقرف من ركود المستنقع السياسي الذي نعيش فيه والذي لم تعرفه الجزائر طوال العقود الماضية، حتى تلك التي كان المرء لا يعرف فيها هل سيعود إلى بيته قطعة واحدة أو أشلاء ممزقة. والجميع مسؤولون عن هذه الوضعية التي أصبحت الرداءة فيها هي سيدة الموقف، وهي رداءة أكدتها اللامبالاة التي واجهت بها الطبقة السياسية والمجتمع المدني عندنا الحملة المحمومة التي تقودها ضد الجزائر عناصر مسمومة في المملكة المغربية كلما تعثرت مشاريعها التوسعية لاحتواء المنطقة وفرض إرادتها عليها. وأنا شخصيا ممن يحبون المغرب كبلد شقيق ويحملون للشعب المغربي كل التقدير والاحترام ويذكرون له مواقفه الرائعة في احتضان الثورة الجزائرية ورعاية الثوار الجزائريين، وهو ما لقيناه من الأشقاء في تونس وليبيا، والحديث هنا عن المغرب العربي، وصداقاتي معروفة مع الكثيرين من رجال الثقافة والفكر، لكن الوقت قد جاء ليعرف الشعب المغربي حقائق كثيرة تتحمل مسؤولية عدم الإشارة لها جل العناصر التي تمارس السياسة في بلادنا على كل المستويات، والتي تمارس اليوم كل أنواع الدجل والتهريج وتستثير احتقار الجميع وتفسر انفضاض الشعب عمن يحملون صفة الطلائع. ولن أضيع وقتي ووقتكم في التوقف عند من نسينا أسماءهم منذ الانتخابات الرئاسية الماضية وحسبنا بعضهم في رحاب الله، وإذا بهم يعودون، وسبحان من يحيي العظام، ليتحدثوا عن نيتهم، بدون خجل أو حياء، المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبداية، وللأمانة وللموضوعية، ولأنني أعرف أن للعمل الديبلوماسي معطياته ومتطلباته والتزاماته التاكتيكية، أحب أن أستبعد القيادة العليا للديبلوماسية الجزائرية من المسؤولية المباشرة للميوعة السياسية التي نواجه بها منذ عدة شهور العداء المتشنج للمراجع المغربية على مختلف مستوياتها، والتي وصلت مؤخرا إلى القمة. وقد سبق أن أشرت في تصريحات صحفية لعملية تسجيل المواقف التي لجأ إليها مسؤولون مغاربة، كانوا يتعمدون إطلاق ما يدعون أنه مبادرات أخوية يختارون لها أيام العطلة الرسمية، لمجرد الإيحاء بأن الجزائر تصم أذنيها عن دعوات الحوار، ولكن كل خطوة جادة من قبل الجزائر كان يتم إجهاضها قبل أن تولد، تماما كما حدث بالنسبة لزيارة أحمد أويحيى التي برمجت ثم بادر الطرف المغربي إلى إلغائها قبل أيام من قيامه بها، وكما افتعلت الفوضي عند زيارة عبد العزيز بلخادم، رغم أن اختياره لتمثيل الجزائر في "طنجة" لم يكن عفويا. وكنت أشرت للحملة الصحفية التي تقوم بها عناصر تنسب نفسها للجامعة المغربية، وخصوصا في صحيفة "القدس العربي" في لندن، التي تحولت إلى ما يشبه "المحيبسة" فأصبحت تعطي الفرصة كاملة لمن يريد من دكاترة القطر الشقيق لنشر الإدعاءات والمزاعم التي تتشنج في الهجوم على الجزائر وعلى سياستها وعلى "عسكرها" وتتباكى على شعبها واقتصادها وسمعتها وفي الوقت نفسه تمنع نشر كل ما ترسل به الأقلام الجزائرية التي تحاول الرد أو التفنيد، وطبعا مع نشر مقتطفات لأسماء جزائرية لتأكيد النزاهة والموضوعية التي كنا نتصورها لهذا المنبر الذي يحمل اسما هو من أشرف الأسماء. وأنا هنا لا أنطلق من فرضيات فقد قمت خلال الأسابيع الماضية مع بعض الرفاق بعملية اختبار للصحيفة، أرسلنا فيها تعليقات على ما كتبه بعض المغاربة، لم ينشر منها شيئ على الإطلاق، وبحيث أصبحت صحيفة ّإيلاف"، اليمينية كما يُقال، أكثر رزانة وموضوعية. ولقد نشرت صحفنا رسالة عتاب كنت بعثت بها لمدير القدس العربي، وجاءني في اليوم التالي اعتذار من الجريدة، ثم عادت ريمة لعادتها القديمة. وهناك ما تقدمه التلفزة المغربية في بعض قنواتها من هجمات مسعورة وأكاذيب مفضوحة، في حين أن تلفزتنا، بكل قنواتها، أصيبت بالعمى والصمم والبكم، مثلها في ذلك مثل أهم المؤسسات المنتخبة والجمعيات الفكرية والمراكز الثقافية، وفي الوقت الذي يثير البعض فيه قضايا قد تكون لها أهميتها ولكنها لا يمكن أن تحظى بالأسبقية المطلقة. وبداية، يجب أن تخضع العلاقات في المنطقة لصدمة كهربائية توقظ النيام وتنبه الغافلين، كإعلان انسحاب الجزائر من اتحاد المغرب العربي ومن كل مؤسساته، خصوصا وأن المغرب أعلن عن تجميد مشاركته في منتصف التسعينيات، وعلينا أن نكشف كل الحقائق للشعب المغربي، بعد أن استسلم تماما لدعاية سلطاته لأنه لم يسمع وجهة النظر الأخرى، وعلينا تذكيره بكل إصرار بأن جريمة 1963 لم تكن نزوة من الملك الحسن رحمه الله بل كانت غزوا عسكريا متعمدا استشيرت فيه الطبقة السياسية التي رأت، وكما أكد ذلك السيد الفيلالي بقوله، شفاه الله، :"لا حل مع الجزائر إلا الحرب". حقيقة يجب أن تتردد في طول الجزائر وعرضها وعلى أفواه كل من له لسان، سواء أكان مسؤولا أم إعلاميا أم طالبا في ثانوية أم عاطلا يلعب الدومينو في مقهى الحي، لأنها تكشف حقيقة مغالطات السلطة المغربية منذ أربعة عقود أو يزيد. وهنا يصبح لزاما علينا أن نقرأ للأشقاء بنود اتفاقية طنجة بين سلطان المغرب والسلطات الفرنسية، والتي تقول ما معناه بأنه إذا ألقت فرنسا القبض على الأمير عبد القادر فإنها ستعامله بكل احترام، وإذا ألقى المغرب القبض عليه فسينفى في قلعة معزولة. ومن حق الشعب المغربي أن يعرف جرائم الجنود المغاربة الذين أرسلهم الجيش الفرنسي لمناطق سطيف وقالمة وخراطة في مايو 1945 ضد الجزائريين، اغتصابا للنساء وسرقة للحلي وتخريبا للديار وإيذاء للرجال، تماما كما حدث في الحرب العالمية الثانية في إيطاليا، وهو ما قدمته قناة الجزيرة أول أمس في برنامج وثائقي مترجم، في حين أن المجندين الجزائريين الذين أرسلهم الاستعمار الفرنسي لسوريا احترموا الشعب السوري بمجر أن استمعوا للأذان وتتبعوا سوريين فوجدوهم يلحقون بزملاء لهم يؤدون الصلاة. ثم إن علينا أن نكشف خدعة تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريطانيا، والتي دبرها العاهل الراحل سرا ثم راح يبررها بإذاعة نص يقول فيه رئيسنا الراحل بأنه يترك للأشقاء حرية اختيار الأسلوب الذي يستجاب به لمطالب الشعب الصحراوي، وهو نص سجل في مؤتمر القمة بالرباط وأذيع بشكل مبتسر، بغض النظر عن أن ما يقال وراء جدران المؤتمر لا يمكن أن يذاع إلا باتفاق مشترك. وعلينا أن ننشر النص الكامل لرأي محكمة العدل الدولية والذي يقول بأنه "لم تثبت أي سيادة للمغرب على الصحراء الغربية"، وعلينا أن نفضح مهزلة "المسيرة الخضراء" التي استغلت إعلاميا لإرسال الجيش الملكي إلى الصحراء الغربية عبر محور "المحبس" لممارسة عمليات الإبادة ضد الصحراويين، والتي نتج عنها فرار الآلاف منهم نحو الجزائر، يدعي كتبة "المخزن" بأنهم محتجزون في الجزائر، رغم كل الزيارات التي قامت بها هيئات دولية لمناطق تندوف، وهو ما لا يعرفه الشعب المغربي مما يساهم في تضليله. ثم إن المزاعم التي نشرت مؤخرا في "القدس العربي" ، من أن الجزائر تريد خلخلة الحكم في المغرب، ولم يفندها للأسف من يعملون بها من الجزائريين، يجب أن تكشفها الحقائق التي نسيها كثيرون هناك، ومن بينها موقف الرئيس بو مدين عند انقلاب الصخيرات في 1971 ثم إثر محاولة اغتيال الحسن الثاني في طائرته الخاصة، وأذكر هنا بما نقله هنري كيسينغر عن الرئيس الجزائري وسجله في مذكراته من أن الجزائر ترى في استقرار المغرب استقرارا للجزائر، وترى في العرش ضمانا لاستقرار المغرب. وأنا أعرف أن كثيرين أخذوا علينا في السبعينيات عدم التجاوب مع المعارضة المغربية، ومن بين رجالاتها من وقفوا، مشكورين، ضد الغزو المغربي للجزائر، وأعترف أنني تجاوزت حدودي يوما وقلت هذا للرئيس بو مدين الذي أجابني ساخرا: المعارضة؟، لقد كنا نستقبلهم ونستمع لهم ونتحدث معهم بكل أخوة وبدون خلفيات، ولكنني كنت أفاجأ بعد أيام بزيارة للجنرال أوفقير يحمل لي مضبطة اللقاءات وكل ما دار فيها. ثم يجب أن نذكر بتصريحات قيادات الفتنة الدموية التي كانت لقيت من الملك تفهما وربما دعما هناك من يعرف تفاصيله أكثر مني، وأن نوضح حقيقة المغاربة الذين طردوا من الجزائر في 1975، وكان معظمهم يقيم بصفة غير شرعية تجاوزنا عنها بإرادة سياسية، في حين أن البعض كان يمارس التجسس، ومع الاعتراف باحتمال حدوث ظلم أقل مما عرفه اليابانيون في أمريكا إثر هجوم طوكيو على "بيرل "هاربر"، ومع التذكير بما حدث للجزائريين في المغرب من أذى. كل هذه الحقائق يجب أن تصل إلى الشعب المغربي، الذي يجب أن نتفهم أن التزامه مع مليكه ومع دولته ناتج عن فشلنا نحن في أن نسمعه صوتنا، ومن هنا فإنني لا ألومه ولا ألوم كتبة ينتسبون إلى جامعات المغرب العريقة، يرتزقون من الأكاذيب عبر كل المنابر المتاحة، ولكنني أتهم كل مسؤولينا السياسيين بالتقصير في القيام بواجبهم تجاه وطنهم، وتجاه المغرب العربي الذي يعرقل النظام المغربي مسيرته بمناوراته المتواصلة. ولن أتوقف هنا عند الموميات السياسية الجزائرية التي لا تتنفس معنا هواء هذا الوطن وتتعالى على مشاركة أبنائه عيشهم ومعاناتهم اليومية، ولكنها تواصل اجترار أحاديث وحدة المغرب العربي والمناداة بنبذ الخلافات، وكأن القضية عركة نساء أتي بها شجار أطفال في يوم من أيام رمضان. ولن أتوقف أيضا عند هذر غلمان السياسة وشظايا الديموقراطية الوهمية، خصوصا منهم من يشاركون في مؤتمرات في المغرب ولا يجرؤون على طرح الحقائق، حتى لا يحرموا من أكلة "بسطيلة"، وأنا أحب "البسطيلة". ولقد صبرت طويلا ولكن للصبر حدود. وهكذا فأنا أتهم الجميع ولن أعتذر لأحد.