حمل المترشح عبد العزيز بوتفليقة إلى المواطنين خلال الحملة الانتخابية التي أُسدل الستار عنها أمس جملة من الالتزامات التي تعهد بتجسيدها في العهدة المقبلة في حال تجديد الثقة فيه، في مقدمتها تعزيز المصالحة الوطنية وإرساء السلم، والمضي على طريق الاصلاحات والتنمية الوطنية، إلى ذلك وفي انتظار الكلمة الفصل للصندوق بعد ساعات معدودة، فإن طي صفحة الربيع الأسود وتحقيق المصالحة مع منطقة القبائل هي أهم انجاز حققه بوتفليقة في الحملة الانتخابية من وجهة نظر المتتبعين. أسدل أمس الستار رسميا على الحملة الانتخابية وسكت المترشحون عن الكلام المباح، في انتظار كلمة الناخبين وفصل الصندوق بين المترشحين في استحقاقات كل المؤشرات تؤكد أن الحسم فيها سيكون في الدور الأول لصالح المترشح عبد العزيز بوتفليقة الذي خاض حملة انتخابية عصرية بشهادة المتتبعين، رمى فيها بكل ثقله وجاب البلاد من أقصاها إلى أقصاها للاقتراب من أكبر عدد ممكن من الناخبين. وكان خروج بوتفليقة إلى المواطنين وتنشيطه تجمعات شعبية ونشاطات جوارية عبر 31 ولاية أول خطوة للمترشح على طريق العهدة الثالثة، فأن يقود بوتفليقة الحملة الانتخابية بنفسه ويسير وسط الجماهير الشعبية التي خرجت بالآلاف لاستقباله، وأن يجاري الشباب في حماسهم، كان أول رد وصفعة يوجهها لخصومه والمراهنين على ورقة "الوضع الصحي لبوتفليقة"، فكثيرة هي السيناريوهات والقراءات الإعلامية التي روجت لها بعض الأوساط عشية الحملة الانتخابية، وراح البعض ينتظر اعتكاف بوتفليقة في منزله وأن يخوض الحملة الانتخابية نيابة عنه قادة الأحزاب والتنظيمات التي تسانده وتقف وراءه. ولعل أهم ورقة افتكها بوتفليقة في الحملة الانتخابية هي الزيارة التاريخية التي قادته إلى منطقة القبائل بعد سنوات من التوتر الذي طبع علاقته بهذه المنطقة على خلفية الاضطرابات وأحداث الشغب التي شهدتها في ربيع 2001 أوما أصبح يصطلح على تسميته بالربيع الأسود، وأثبت بوتفليقة للجميع ولا سيما لأولئك الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على المنطقة أن لا شرخ بين القبائل وبقية مناطق الجزائر، مؤكدا أن الشرخ "موجود فقط في أذهان أعداء الجزائر في الداخل والخارج"، ولم يجد بوتفليقة ما يعبر عنه بعد الحفاوة التي لقيها من مواطني تيزي وزو وبجاية سوى القول "الآن يمكنني أن أموت مطمئنا"، وإلى جانب حرص المترشح على تبرئة ساحته من الأحداث التي عرفتها المنطقة والتي وصفها بالمأساة الوطنية فإنه دعا إلى فتح صفحة جديدة في جزائر آمنة ومستقرة، والتزم بأن تكون العهدة المقبلة للسلم والاستقرار. وكانت المصالحة الوطنية أهم محور في الخطاب السياسي للمترشح ولا يكاد يخلو حديثه في كل التجمعات الشعبية التي نشطها من التأكيد على التزامه بالمضي على طريق تعزيز المسعى الذي أطلقه سنة 1999 بقانون الوئام المدني ودعمه سنة 2006 بميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وقال في أكثر من مرة "لن أتخلى عن المصالحة مهما كلفني الأمر"، والمصالحة في منظور بوتفليقة لا تعني الاستسلام لبقايا الجماعات المسلحة التي تصر على نهج العنف والإرهاب بل توعد هؤلاء ب"الاستئصال"، وكانت الحملة الانتخابية مناسبة مواتية للمترشح في الكشف عن معالم التدابير والإجراءات التي سيلجأ إليها لتعزيز المصالحة الوطنية في حال تجديد الثقة فيه من قبل الشعب الجزائري، ومنها على وجه الخصوص ربط عودة قادة وإطارات الحزب المحظور إلى الحقل السياسي بالاعتراف بمسؤوليتهم في الأزمة التي عرفتها البلاد والاعتذار للشعب عما لحقه من مآسي وأضرار، كما أعلن صراحة عن شروط الذهاب إلى العفو الشامل الذي تدعو إليه بعض الأصوات وحددها في استسلام جميع المتمردين عن إرادة الدولة ووضع أسلحتهم إلى جانب موافقة الشعب على هذا العفو، ولم يتوان بوتفليقة عن الرد على الأوساط التي تستعجل "العفو الشامل"، معتبرا أن خطوة من هذا القبيل وإن لم تكن مدروسة بدقة، من شأنها إعادة البلاد مرة أخرى إلى طريق العنف والفتنة والحرب الأهلية. وأبدى بوتفليقة في حملته الانتخابية اهتماما خاصا بانشغالات الشباب، وبدا المترشح في اللقاء الذي جمعه بالشباب والطلبة أمس الأول بالقاعة البيضاوية وكأنه واحد منهم في العشرين أو الثلاثين ربيعا، لم يجد صعوبة في الاندماج معهم والتأقلم مع الجو الحماسي الذي فرضوه على القاعة، فليست بالمهمة الهينة السيطرة على أزيد من 5000 شاب وشابة وإقناعهم بالاستماع إلى خطاب سياسي لمدة زمنية تزيد عن 60 دقيقة، مهمة نجح فيها بوتفليقة بمجاراة هؤلاء الشباب حينا وشدهم إليه أحايين أخرى، وفي منتصف الطريق كان قد أدرك السبيل إليهم، فبادر إلى جمع أوراقه وتركها جانبا وفضل مخاطبتهم بشكل تلقائي وباللغة التي يفضلونها "من القلب إلى القلب" وذهب إلى درجة مداعبتهم وتقليد حركاتهم، وإلى جانب حمل هموم الشباب فقد التزم بوتفليقة وأقسم على أن يعيد للمرأة حقوقها كاملة غير منقوصة، وقال إنه لن يخشى لومة لائم وتعهد بالتصدي للأحزاب السياسية والإدارة من أجل فتح المجال للمرأة لتولي المناصب السياسية والوصول إلى مواقع صنع القرار.