ما من شك في أن فرنسا ربما كانت البلد الأكثر اعتدادا بماضيه الاستعماري، مثلما هي البلد الأوروبي الأكثر حساسية من الإسلام. ويمكن من خلال ذلك مثلا فهم طبيعة الانزعاج الذي يبديه الفرنسيون تجاه الحجاب وبأنه قد يهدد العلمانية، مثلما يُفسر ذلك أيضا سبب تنكّر باريس لواجب الاعتراف بجرائمها في الجزائر، وعلى رأس تلك الجرائم التي ترقى لتكون لتوصف بأنها جرائم ضد الإنسانية. وحتى عندما يفتح الفرنسيون عيونهم على الحقيقة ويلتفتون إلى الوراء يقومون بإجراءات محتشمة جدا ولكن بهالة إعلامية كبيرة مثلما حدث مع محاولة تعويض ضحايا تجاربها النووية التي فجرتها في مستعمراتها السابقة ومنها رقان في صحراء الجزائر.. خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء، هكذا هي باريس تجاه ماضيها الاستعماري الكريه، قانون يمجّد الاستعمار ورفض مطلق للاعتراف بالجرائم وتنكّر للاعتذار مقابل تصريحات للاستهلاك بأن بعض ممارساتها بالأمس كانت مؤلمة أو استبدال واجب كتابة التاريخ بواجب الاعتذار أو الحديث عن المستقبل لتجاوز إرث الماضي..إلخ في كل مرة تعود علينا تواريخ الخزي الاستعماري فنعيد تذكير أجيالنا بما اقترفت أيدي الجلادين وما فعلت فينا تلك السياسات المقيتة والعنصرية، غير أن واجب الذاكرة يحتّم علينا جميعا النضال من أجل انتزاع الاعتراف من باريس لأنه المدخل إلى علاقات ندية ومتوازنة بين الجزائروفرنسا. وحده الاعتراف بما اقترفت أيديهم بالأمس يمهد السبيل للاعتذار لأن له القيمة الأخلاقية والمعيارية لتجاوز أعباء الماضي المشترك والنظر إلى مصلحة المستقبل، أما مادون ذلك فمجرد علاقات بين شد وجذب وفق حسابات سياسوية ضيقة تخدم هذا الرئيس أو ذاك في كلا البلدين. "لن يجلب الاعتذار الفرنسي أي شيء لصالج الجزائر إذا لم تقم العلاقة بين البلدين على الندية والتوازن في المصالح بعيدا عن التدخل والنفوذ". عبد الحميد مهري