قرية الصومام الإشتراكية، كتابة منقوشة بالبياض على زرقة غامقة، تلكم هي اللوحة التي ما زالت مسمرة على جذع شجرة من أشجار الكاليتوس عند مداخل مدينة (بجاية). لم ينصل لونها، لا ولا هي مالت يمينا أو شمالا بفعل هبات الريح والأمطار التي انهالت عليها طوال السنين. وحتى وادي الصومام الرقراق لم ينلها بسوء على الرغم من أنها تصبحه وتمسيه. سبحت لله وأنا أحدق في اللوحة دون أن أنزل من سيارتي، وقلت على غرار ما يقوله الجزائريون كلما وجدوا أنفسهم قبالة غرابة من الغرابات: ما يبقى في الواد غير حجاره! الذين استلموا مقاليد الحكم في الجزائر غداة الإستقلال أرادوا لها أن تكون اشتراكية. بعضهم عن حسن نية وإيمان عميق، وبعضهم الآخر، مجاراة لأصحاب القوة في الحكم. لكن الجزائر، ويا للأسف، خسرت الرهان. ولعل من حسن حظ الرئيس الراحل هواري بومدين هو أنه انتقل إلى رحمة الله قبل سقوط الإتحاد السوفياتي، وإلا لكان وجد نفسه ومن معه في حيص بيص، تماما مثلما وجد الرئيس فيدال كاسترو نفسه في قلب المتاهة السياسية بعد ذوبان الصقيع في المعسكر الشرقي، وسقوط جدار برلين، وتشرذم يوغوسلافيا وتضعضع الجمهوريات السوفياتية السابقة. بقيت هذه اللوحة معلقة في مكانها في حين اندثرت جميع الأدبيات التي لها علاقة بالثورة الإشتراكية بمختلف أبعادها الثلاثة، أي الثقافية والصناعية والزراعية. وتعذر على الإنسان الجزائري، وطالب العلم في بلادنا بوجه أخص أن يسترجع أفكار تلك الفترة لأن أصحاب القوة الجدد في الحكم أرادوا لهذا البلد أن يتخذ وجهة أخرى، أي وجهة السوق الحرة على الرغم من أنهم كانوا في يوم من الأيام من أشد المناصرين للثورة الإشتراكية، سواء عن اقتناع أم عن مداهنة لأهل القوة. وبذلك، صرنا في هذا البلد أناسا دون قواعد فكرية أصيلة. فالذي كتب عن تلك الفترة وجد نفسه خارج التيار الجديد، والذي نظم الشعر عنها، صار في زحمة التاريخ، وهكذا دواليك. والذي تغنى بها في الإذاعة وفي التلفزيون أصبح في خبر كان. ونحن نتعلم من سيرورة الزمن أن التاريخ عبارة عن حلقات مترابطة، ونتعلم من التاريخ العالمي أن هذه الحلقات ما زالت تجد أصداءها في جوانح أهلها حتى وإن هي انطوت على بعض السلبيات. أما عندنا نحن، فإياك، أخي القارىء، أن تورد ذكرا للقرى الإشتراكية التي كانت تبنى هنا وهناك عبر أرجاء الجزائر كلها، وتجد المطبلين لها في كل زقاق وشارع. عندما جاوزت (قرية الصومام الإشتراكية) التي ما عادت قرية أصلا، تساءلت في قرارة نفسي: أترانا صرنا كغيرنا من الذين سبقونا، أي من الذين علقوا الأعلام الفرنسية على صدورهم حين زيارة هذا المسؤول أو ذلك العسكري الفرنسي، أم على غرار أولئك زينوا صدورهم بالألوان الجزائرية لاستقبال هواري بومدين والشاذلي بن جديد واليمين زروال وعبد العزيز بوتفليقة؟ ولله في خلقه شؤون في هذه الجزائر!