تنتظم حاليا بجدة بالمملكة العربية السعودية ندوة يشارك فيها وزيرنا للشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله تتمحور حول " الأمن الفكر ودور المسجد فيه ". وصراحة يمكن القول أنه مجرد الإهتمام بقضية " الأمن الفكري " فإن المنظمون قد وفقوا توفيقا كبيرا، على الأقل من باب تحريك الوعي في هذا الإتجاه. لكنني أعتقد أن تحميل المسجد مسؤولية تحقيق الأمن الفكري بمفرده مبالغ فيه، وإن كانت واحدة من مهامه ، ذلك أنه ليس من وظيفة المسجد تحقيق هذا الأمن على إطلاقه، اللهم إلا إذا كان القصد " تنمية الحصانة الإيمانية " فذلك شأن آخر. إن الأمم التي لا تسمح قوانينها بإنشاء مراكز للبحث ومراكز للدراسات ، والأمم التي تهتم بالتعليم والمعلم، والأمم التي تخصص نسبة معتبرة من الدخل الوطني الخام للبحوث العلمية ، والأمم التي تدفع الأساتذة والمعلمين والباحثين إلى بيع " الألبسة الداخلية للنساء " على أرصفة الشوارع .. لا يمكنها تحقيق الأمن الفكري عن طريق المساجد التي أصبحت " محاصرة " لأسباب أمنية وسياسية. إن هذه الوضعية هي التي جعلت " المتعاطين " مع المسائل الثقافية كالصحفيين والطلبة والأساتذة .. ينهلون من المتوج الفكري الغربي، يتبنون المصطلحات والمفاهيم رغم خطورتها على الأمن القومي، يجعلون " نجوم الفكر والثقافة " في الغرب نبراسا لهم ينصحون بهم طلبتهم وقراءهم والمواطنين .. ويستشهدون بأفكارهم في طروحاتهم الفكرية والثقافية. ولا أعتقد أنه من مهام المسجد الذي يستقبل مصلين متبايني المستوى الثقافي والفكري أن يلجأ إلى الخوض في مسائل من شأنها تحقيق الأمن الفكري بمفهومه الواسع. من جهة أخرى إن المساجد وخطب الأئمة ودروسهم هي في الغالب شفوية، وأن المكتوب هو الحزام الذي تنتقل عبره الثقافة من جيل إلى جيل، وهي التي تنمي الوعي، بينما الشفوي يكون له تأثير ظرفي ومحدود في الزمن عادة ما ينتهي بعد الخروج من المسجد. كما أن كثيرا من " الدعاة والأئمة " هم أنفسهم بحاجة إلى أمن فقهي باعتبار الفتوى بنت المجتمع والبيئة التي توجد فيها .. ويلاحظ أن نسبة كبيرة من الأئمة في الجزائر مثلا ليسوا خريجي مستويات تعليمية تؤهلهم للتعاطي مع الأبعاد الفكرية للمجتمع البشري. إن تحقيق الأمن الفكري هي معركة حاسمة في المجتمع .. وهناك عدة مؤسسات يجب أن تلعب دورها في هذا المجال .. لكن يجب إطلاق حرية المبادرات من المساجد إلى الجامعات إلى مراكز البحث والدراسات.