وأنا أتفرج على فيلم يروي حياة العالم النهضوي غاليلو،(1564-1642)، وجدتني أطرح على نفسي السؤال التالي: ولم، يا ترى، لا يحدث شيء مماثل عندنا في الدارة العربية مشرقا ومغربا؟ غاليلو، على الرغم من المصائب التي حلت به، وعلى الرغم من الضربات الموجعة التي وجهتها له الكنيسة، صار تأثيره أعمق وأبلغ بمرور الزمن، وما زال، وسوف يظل نموذج العالم الذي ينبغي الوقوف إلى جانبه ومناصرته كلما جاء الجهلة ليطفئوا قنديله، وما أكثر ما أقدم الجهلة على مثل هذا الصنيع في جميع الأزمنة والأمكنة! وأعني بذلك أن العلم سلسلة متصلة الحلقات، لا سيما في العالم الغربي. وهذه حقيقة ينبغي أن نكررها على أنفسنا كلما نظرنا في التاريخ العربي الإسلامي، وفي العلم وفي العلماء الذين ازدهت بهم ساحة هذا التاريخ. نقرأ كتابا عن العالم المسلم الفلاني، أو نتفرج على فيلم يروي سيرة حياته وإنجازاته العلمية، ونتوقف مكرهين عند هذا الحد في تعاملنا هذا. أي إننا لا نجد أثرا في حياتنا السياسية والفكرية لمثل هذا الإنجاز، ذلك لأن العلم في دارتنا هذه ما عاد مترابطا منسجما منغما مع حياتنا. ولأن هناك قطيعة حقيقية مع هذا العلم بالذات، أحدثناها بأنفسنا، وأحدثها أهل السياسة والحكم جميعا. في الغرب يتحدثون عن غاليلو، على سبيل المثال لا الحصر، ويوجهون التهمة للكنيسة الكاثوليكية التي حكمت عليه بالإعدام وكادت تقضي عليه. والكنيسة تقبل هذه التهمة مكرهة لأنها تعلم أن العلم تطور، ولأنها تطورت في قرارة نفسها دون أن تعلن ذلك أمام الملإ جميعا. قد يحدث لنا أن نتحدث عن البيروني أو البتاني، لكن حديثنا هذا يظل تاريخيا، لا يخرج عن النطاق الذي عاش فيه كل من البيروني والبتاني، ولا نجد لهذين العالمين أثرا في حياتنا، والسبب في ذلك هو أن هناك قطيعة حقيقية معهما. وليس أدل على ذلك من أن حياة هذين العالمين، إن نحن سردناها في كتاب أو في فيلم سينمائي أو تلفزيوني، لا تقض مضاجع الحكام وأهل السياسة عندنا، ولهذا كثرت الأفلام والمسلسلات التاريخية، ولم تجد من يقف في وجهها من أهل السلطة. العلم هو ما حصل في الصدور، بمعنى أنه لا بد من أن يكون له وقع في حياتنا السياسية والفكرية، تماما مثلما يحدث في العالم الغربي. أما أن يبقى محصورا في نطاقه التاريخي والاجتماعي السابق، فإن الحاجة لا تدعو إليه. أرسطو، بطليموس، غاليلو، كوبرنيك، هايزنبرغ، إينشتاين، ومئات العلماء يعيشون في وجدان الناس وفي عقولهم، ويتفاعلون معهم، ويتعاملون معهم في كل دقيقة وثانية. علوم اليونان الأوائل مرتبطة أشد الارتباط بعلوم العالم الغربي في يومنا هذا. وذلك ما نحتاج إليه في دارتنا على الرغم من أن العلم واحد في جميع الأزمان. يجب أن تقوم العلاقة في نفوسنا، أي بيننا وبين البيروني والبتاني والخوارزمي وإينشتاين ولايبنتز وغيرهم من أفذاذ العلماء. أما أن نتحدث عن البتاني في زمنه، دون أن يحل ضيفا علينا في زماننا هذا، فذلك أقبح شيء نمارسه في حياتنا هذه.