الزمهرير الذي تعيشه الدارة العربية مشرقا ومغربا لا مثيل له في تاريخنا كله. وأعني به زمهرير السياسة الخائبة التي لا بد وأن تتغير في يوم من الأيام. سألني أحد الإخوة الفلسطينيين في الجزائر: كيف ترى الوضع عندنا؟ قلت له بالحرف الواحد: ينبغي أن تتحدوا. لا مكان لفتح ولا لحماس إن لم يكن هناك مكان لفلسطين بينهما في المقام الأول. ويتعين عليكم ألا تعولوا على العروبة المتأمركة في زمننا هذا. لا تنتظروا من أنفسكم القدرة على مواجهة الطائرات الأمريكية الخاطفة وطائرات ف 16 وغيرها من أسلحة التدمير التي جادت بها قرائح صناع الحروب في عصرنا هذا. اجعلوها حربا شعبية، فأنتم بذلك تكونون أقدر على خوض المعركة، بل وستكون الغلبة لكم بإذن الله. المساعدة التي يعدكم بها العرب المتأمركون هي من حقكم، لا لأنكم عرب فلسطينيون وحسب، بل لأنها جزء من الأموال التي ينبغي أن تعود لكم تلقائيا، وبلا أي من أحد. عرفنا الكثير عن سياسات (ألقوهم في البحر)، تلك التي سادت منذ نكبة 1948، وعرفنا ما هو أكثر عن سياسات (عانقوهم بالأحضان في القاهرة ونواقشوط وقطر وعمان)، وعلينا أن نعرف اليوم كيف نواجه هذه السياسات العفنة التي صنعت على قد المقاس في مختبرات العالم الغربي. حقا، نحن نستخدم لغات الحماس والتقعر، وإخواننا يموتون كل يوم في غزة. وليس هناك أشد إيلاما من وقع الكلمات التي يتشدق بها بعض الذين تجاوزهم الزمن في هذه الأرض العربية. يقولون: ينبغي أن تكف حركة حماس عن استفزاز الإسرائيليين، وأن تخمد نار الفتيل في غزة وفي غيرها من الأماكن الأخرى. والمتأمركون يريدون بذلك إلقاء التبعة على شعب يباد في الصباح وفي المساء، منتظرين أن تحن قلوب الصهاينة، وأن يعيدوا طائراتهم ومدمراتهم الجهنمية إلى المخازن. ويتجاهلون الحقيقة المرة التالية وهي أن الذي يشعر بلفح السوط في كل دقيقة وثانية، مستعد لكي يذبح العالم بأسره ويشرب دمه. وذلك بالذات ما يعانيه إخوتنا في غزة وفي غيرها. الأممالمتحدة لن تفعل شيئا لصالح فلسطين، هذه حقيقة نعرفها منذ عقود طويلة. ولذلك يتعين على الفلسطيني أن يواصل نضاله، وسيأتي الاعتراف بحقه بعد ذلك إن طوعا وإن كرها. جاء اليهود بمساعدة من أمريكا وحلفائها واستقر بهم المقام في أرض فلسطين، فاعترفت بهم هيئة الأممالمتحدة. فعلى الفلسطينيين أن يفعلوا نفس الشيء، وأن يتوصلوا إلى محو هذا الكيان الدخيل عليهم تماما مثلما فعل أجدادهم القدامى مع الصليبيين. الجسد الغريب يظل جسدا غريبا، ولذلك ينبغي استئصاله، شاء العرب المتأمركون أم أبوا. والدماء التي سالت غزيرة منذ عقود من الزمن يستحيل أن تذهب هدرا. هذه هي سنة الوجود.