أوضحت مذكرة جديدة أصدرها البنك العالمي مؤخرا، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ستتعرض لتهديد حقيقي خلال العقود القليلة القادمة يتمثل في بروز ظاهرة العطش بالمنطقة بشكل حاد، حيث ستواجه المنطقة ندرة حقيقية للماء بداية من سنة2025، وقدرت هذه المذكرة أن وفرة المياه بالمنطقة لكل فرد ستنخفض إلى النصف في العقود الثلاثة القادمة، وهي المشكلة التي يجب التفكير فيها من الآن وبكل جدية. كشفت هذه الوثيقة في البداية، أن المنطقة العربية هي المنطقة التي تعرف شحا واضحا في وفرة المياه من بين جميع لقارات العالم، حيث تقترب وفرة المياه على المستوى العالمي من 7000 متر مكعب لكل شخص سنويا، "بينما لا تتجاوز هذه الوفرة في الوطن العربي 1200 متر مكعب فقط لكل شخص، ومن هنا فإن سكان هذه المنطقة يعيشون يوميا قلقا مائيا متزايدا، خاصة إذا علمنا أن سكان هذه المنطقة سينتقل من 300 مليون نسمة حاليا إلى حوالي 500 مليون ساكن بحلول سنة 2025، الأمر الذي سيخفض من معدل استهلاك الفرد العربي إلى النصف عما هو عليه اليوم". وأضافت الوثيقة سالفة الذكر، أن دول المنطقة توفر الماء من مختلف المصادر، البعض منها يلجأ إلى مياه الأنهار الدولية مثل العراق ومصر، في حين تخضع اليمن وجيبوتي والبلدان الخليجية إلى المياه الباطنية، وهذا في وقت استغلت فيه معظم هذه الدول مياهها السطحية، وأن عددا من المجاري المائية لم تعد تصل مياهها إلى مصباتها النهائية في البحار والمحيطات كما كانت عليه في السابق. وأمام شح الماء وندرته، قامت بلدان المنطقة في العقود السابقة باستثمارات ضخمة في قطاع المياه مثل بناء السدود الكبرى للتخزين وتطوير منظومات السقي من أجل مواجهة مشكلات توفير الغذاء وتطوير القطاعات الفلاحية، التي تستحوذ على 80 في المائة من المياه المتوفرة في المنطقة. ولمواجهة المشكلة المائية والزراعية، لجأت معظم دول المنطقة على غرار الجزائر إلى التكنولوجيات المتطورة في هذا المجال، حيث تحتل المنطقة المرتبة الأولى في استخدام التكنولوجيات غير التقليدية مثل تحلية المياه وتطهير المياه المستعملة وإعادة استخدامها في السقي، لكن هذه الاستثمارات لم ترفق أو تدعم بتغييرات وسياسات ملائمة، ثم أن السياسات المطبقة في قطاعات أخرى، أدت إلى استعمال غير ناجع للماء، وهو ما أثر سلبا على الاستثمارات الضخمة التي قامت بها دول المنطقة في قطاع الماء. ولخصت مذكرة البنك العالمي مشاكل المياه في المنطقة العربية في المحاور الموالية، 7 دول في المنطقة تستهلك الماء أكثر مما تتوفر عليه من هذه المادة الحيوية، بعض الدول تبذر الماء بشكل مفرط من ذلك أن معدل استهلاك الفرد للماء بدول الخليج يعتبر المعدل الأعلى في العالم ويفوق نسبة استهلاك الفرد الأمريكي بنسبة 50 في المائة، تمثل النفقات العمومية حصة الأسد في تجهيز قطاعات الموارد المائية، حيث تبلغ نفقات التجهيز بكل من الجزائر ومصر والمغرب مثلا 5 في المائة من إجمالي النفقات العمومية، وأن معظم هذه النفقات لم تتحقق المردود المتوخى منها. وكخلاصة لهذا التشخيص، طرحت المذكرة جملة من التوصيات جاء فيها أن تحسين قطاع الماء بالمنطقة يطرح تحديا على المستوى المؤسساتي أولا، ثم تحسين القوانين القطاعية والاهتمام بالتسيير الجيد للقطاع وفتحه على المجتمع المدني، وبالنظر للطابع السياسي والاجتماعي والعاطفي الذي تكتسيه مسألة المياه بالمنطقة، فالتغيير المطلوب على مستوى القطاع يجب أن يكون بالتدريج ويأخذ في الحسبان عناصر أخرى لا تقل أهمية مثل قلة الموارد المالية، توفير المعلومات اللازمة عن القطاع، فتح الحوار بشأن خطورة ملف الماء على مستقبل المنطقة برمتها وما يترتب عن ذلك من مخاطر جمة، وفي مقدمتها تعرض المنطقة لحالة غير مسبوقة من العطش.